ها قد انتهى العام الهجري وابتدأ عام آخر ، انها سنة الحياة في خلقه ، ها هو العام يطوي بساطه ويقوض خيامه ويشد رحاله ، وها نحن نودع عاماً هجرياً قد أدبر ونستقبل عاماً هجرياً قد أقبل، والأيام تمر يوماً بعد يوم ، ومثل المؤمن كمثل التاجر الذي يعد كشف حساب سنوي ليعرف مقدار ربحه وخسارته - كجرد سنوي - كذلك المؤمن يجب عند استقبال العام الجديد أن يعد كشف حساب عن السنة التي مضت ويسأل الانسان نفسه هل كان إلى المولى عز وجل أقرب وعلى طاعته وعبادته أدوم؟ وتعتبر محاسبة النفس من موجبات التربية الروحية وتقويمها حتى تلتزم بالصراط المستقيم، وليتذكر الإنسان بأن له وقفة مع المولى جلت قدرته يوم القيامة، يقول العلماء: من شق عليه حسابه في الدنيا خف عليه حسابه في الآخرة، فعندما يحاسب الانسان نفسه فورياً ويومياً وأسبوعياً وشهرياً وسنوياً - أولاً بأول- يعرف مقدار التوفيق في الأعمال الصالحات التي ترضي الله عز وجل فيتحفز على الاكثار منها ويزداد إيماناً مع ايمانه..فهناك أعمال أساسية يجب أن يراجع المسلم فيها نفسه وهي: الصلاة والصوم والزكاة والحج والنوافل والأخلاق الفاضلة والكسب والانفاق وبر الوالدين وصلة الرحم ..الخ. وهناك تساؤلات يجب أن يشتمل عليها الكشف أحصر بعضها هنا على سبيل المثال: هل ازدادت ثروتك الايمانية وزاد رصيد حسناتك وثقلت كفة أعمالك الصالحة؟ فإن كنت كذلك فأنت من الرابحين، هل تحليت بخلق النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان الرسول قدوتك حقاً؟. فإن كنت كذلك فقد كسبت شفاعته يوم الحساب، هل طهرت قلبك واستغفرت الله حتى تلقاه عز وجل بقلب سليم ونفس مطمئنة راضية مرضية؟. فإن كنت كذلك فقد أمنت من هول يوم القيامة، هل سعيت في قضاء مصالح العباد لاتريد منهم جزاء ولا شكوراً؟ فإن كنت كذلك فقد زرعت في الدنيا وإن شاء الله تحصد في الآخرة ، هل يسرت على الناس وساهمت في تفريج كرباتهم بالقروض الحسنة؟ فإن كنت كذلك فسوف تجني عوائد وأرباح هذا الاستثمار في الآخرة اضعافاً مضاعفة، هل كنت باراً بوالديك، واصلاً للأرحام؟ فإن كنت كذلك فسوف يبارك الله لك في رزقك ويمد لك في عمرك. - أحبائي- هل نحن راجعنا حساباتنا جيداً؟! فماذا جنينا ؟ وماذا قدمنا لأنفسنا في هذه الدنيا الفانية من خير ، أم أن هذه السنة مرت كما مر غيرها من السنين، ها نحن ودعنا عاماً كاملاً منا من فارق فيها أحباباً وأهلاً ، ومنا من استقبل فيها آخرين، نودعها بكل ما فيها من خير وبكل ما كان فيها من شر وألم.. ويا هل ترى من كان معنا في هذه السنة هل سيظل أم أننا لن نراه في السنة القادمة؟ والذي أردته هو أن يقف كل واحد مع نفسه ويحاسبها حساباً يسيراً.. أحبائي.. (ها نحن ودعنا عام 1429ه واستقبلنا عاماً جديداً 1430ه ) ورحل هذا العام بكل ما حدث فيه من لحظات سعيدة كانت أو حزنية ..التقينا..وافترقنا ..تعاهدنا ..وتواعدنا.. وسوف تصبح الذكرى في عقولنا..وقلوبنا ..ولن ترحل!. فالسنين بالأحباء أثمن ..ويكفي أن نحمل معاً ابتسامة لنفس الذكرى ..تنقذنا أحيانا من الوحدة لتجمع ملامحنا. مر العام إذاً وما بين انتصاراتي وخسائري كنتم الشىء الوحيد الذي لا أقبل المساومة عليه ..حقيقة ومن أعمق نقطة صفاء في روحي أقول لكم: قبل الكلام ..وبعد السلام ..أحب أقول لكم شكراً على صداقتكم ..شكراً على ودكم ..شكراً على لحظة سعادة اختلستها من اعينكم وأنتم سارحون، شكراً على أوقات فرح قضيتها معكم هزمت أحزاني وأنتم لا تدرون ..شكراً على وجودكم إلى جانبي دوماً ..وأصدق الأمنيات لكم بأجمل الأيام ..وبنهاية هذا العام 1429ه، انطوت صفحة ..وأقول لكم (إن أغلى هدية قدمتها في الدنيا هي معرفتكم ومعرفة قلوبكم الطيبة) فشكراً لكم ولها من أعماق قلبي ..وعذراً ..إن قصرت في حقكم أو أخطأت، عذراً لقلوب أحبتي لا أعلم أهي راضية عني ..أم ساخطة عليَّ لفعل جهلته أو تقصير تماديت به؟. فها أنا أعيد للقلوب صفاءها.. (عذرا) من القلب لكل القلوب التي أحبتني وأحببتها ..فأنا لا أعلم ما إذا كان لعمري بقية أم سأرحل أنا والعام سوية؟ ..مع خالص حبي لكم ولكل من تصله مقالتي هذه ..دمتم لي أحباباً ورحم الله موتانا وموتاكم ، وجمعنا وإياكم في جنات عدن ..آمين. همسة: قال جل من قائل: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً).