يوم عرفة الذي يجتمع في صعيده الحجاج من أقطار الدنيا كلها من أحد أيام الأشهر الحرم (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) وهو أحد أيام أشهر الحج (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) ومن الأيام المعلومات (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) وهو من أحد الأيام العشرة المفضلة في أعمالها على غيرها من أيام السنة ، وهو من الأيام الفاضلة التي أكرم بها المولى عباده من الحجيج وممن لم يكتب لهم الحج ، ففيه تجاب الدعوات ، وتقال العثرات ، يوم عظم الله أمره ، ورفع قدرة ، ففيه أكمل الدين وأتْمِمَتْ النعم ، ففي الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً من اليهود قال له : يا أمير المؤمنين ، آية في كتابكم تقرءونها ، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً . قال أي آية ؟ قال (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) قال عمر : قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم : وهو قائم بعرفة يوم الجمعة . وفيه يتمنن الله على خلقه فيعتق فيه من الرقاب ما لا يعتقه في غيره روي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما من يوم أكثر من أن يُعْتِقَ الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة .... ) وقد خص الرحمن أتباع الأمة المحمدية الذين لم يكتب لهم الوقوف بصعيد عرفة ملبين حاجين بميزة أن من صام هذا اليوم يُكًفِر عنه سنتين فقد ورد عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال: ( يكفر السنة الماضية والسنة القابلة) فصومه رفعة في الدرجات ، وتكثير للحسنات ، وتكفير للسيئات ، والتكفير المقصود بذلك صغائر الذنوب شريطة ترك الكبائر (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) أما الحاج فلا يسن له صيام يوم عرفة وعليه أن يتفرغ للعبادة والدعاء ولا ينشغل فكره وقلبه بالطعام والشراب ، روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة بعرفة) قال ابن القيم رحمه الله - وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إفطار يوم عرفة بعرفة - فهو يوم عيد لأهل الموقف قال عليه الصلاة والسلام : ( يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب ) ويستحب في هذا اليوم المبارك الكريم الإكثار من الأعمال الصالحة من صلاة نفل ، وقراءة القرآن ، وصدقة ، وذكر ، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر.... وغيرها من الأعمال الصالحة التي مفهومها واسع وشامل ينتظم في كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة ، جاء عن أحد السلف الصالح أنه قال (من فاته في هذا العام القيام بعرفة فليقم لله بحقه الذي عَرَفَه ، ومن عجز عن المبيت بمزدلفة ، فليُبيِّت عزمه على طاعة الله وقد قرَّبه وأزلفه ، ومن لم يقدر على نحر هديه بمنى فليذبح هواه هنا وقد بلغ المُنى ، من لم يصلْ إلى البيت لأنه منه بعيد فليقصد رب البيت فإنه أقرب إلى من دعاه من حبل الوريد). اللهم اجعلنا ممن قبلت توبتهم ، وعتقت رقابهم من النار ، اللهم لا تحرمنا رحمتك وأنت الرحمن الرحيم . ومن أصدق من الله قيلاً (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ).