ما معنى في أمان الله؟ ما هو هذا الأمان العظيم الدفء ، الطيب، السمح، الذي يتمناه بعضنا لبعض في حالة الابتعاد أو الوداع؟. هل خطر ببال أحد منا يوما وهو يقول لانسان يودعه: في أمان الله ، أن يسأل نفسه عن معنى هذه الكلمة الطيبة؟ عندما أمسكت بالقلم لأكتب إليك أيها القارىء الكريم في هذه الصفحة ورد عليِّ ذلك السؤال ، وخطر ببالي أن أبحث في معنى (أمان الله) فبحثت ، وكان هذا المقال تبيانا من عنوانه على ما فيه. أمان الله يا أخي القارىء ، كلمتان من ذلك الكلام الأخضر، الذي يكاد ينبض بما يحمل من معنى ورواء. والكلام كالكائنات الحية، كالمعادن، منها الرخيص ومنها النفيس ، أليس يصف نبينا صلى الله عليه وسلم بعض الكلام فيقول عنه (سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم ) بأنهما : كلمتان خفيفتان على اللسان ، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن. الأمان في اللغة ، هو ضد الخوف ونقيضه ، ودائرة الأمان في المعاجم روضة من المعاني الرفيعة، (كالايمان والأمانة) وما يشتق منهما، وفي القرآن الكريم ، تأتي معاني الأمان في مواضع عدة، وكلها يضع الخير في مواطنه، فالبيت مثابة للناس وأمن (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا) ومكة هي البلد الأمين (وهذا البلد الأمين) والمتقون في مقام أمين (إن المتقين في مقام أمين) وهم كذلك (في الغرفات آمنون) وغير ذلك مذكور في القرآن الكريم، فللمؤمنين الصالحين الأمن في الدنيا والأمن في الآخرة. وفي الحديث الشريف ، ورد في معنى الأمان أحاديث ، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم : (النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد ، وأنا أمنه لأصحابي ، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمنة لأمتي، فاذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون) أراد بوعد السماء انشقاقها وذهابها يوم القيامة، وذهاب النجوم تكويرها وانكدارها واعدامها ، وأراد بوعد أصحابه ما وقع بينهم من الفتن، وكذلك أراد بوعد الأمة والاشارة في جملة المعنى تؤدي إلى مجيء الشر بعد ذهاب أهل الخير، وأن انعدام (الأمناء) أو (الأمنة) في هذا الموضع شر عظيم وبلاء مستطير ، ولا تكون النجاة من ذلك إلا بالاعتصام - كما أوصانا نبينا صلى الله عليه وسلم - بكتاب الله وسنة نبيه. لقد أعطى الله تعالى أمانة للمؤمنين. حررهم سبحانه من الخوف الذي لا يزال يسيطر على من سواهم. ومم يخاف الانسان في هذه الدنيا؟. إن كان يخاف من الموت ، فقد حرر الله المؤمن من هذا الخوف، حين جعل لكل أجل كتابا، وجعل الموت انتقالاً إلى حياة أخرى أطيب مقاما وأعلى درجة، وإن كان يخاف من الفقر، فقد حرر الله المؤمن من خوف الفقر، حين قسم الأرزاق. وإن كان يخاف أن يقع به أي حادث ، فقد حرر الله المؤمن من ذلك قال تعالى: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وان اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك) وفي رواية الترمذي: (واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك ، وما أصابك لم يكن ليخطئك). إنه الأمان الذي أعطاه الاسلام للحياة ، فأشرق به وجهها ، وصفت آفاقها، واخضرت جنباتها ، وطابت في نفوس المؤمنين غاياتها ، لايعوق حركتها خوف من مجهول، ولا تعكر عافيتها عقد في النفوس. إنه أمان الله، بمفهومه الذي انتظم الحياة والنفوس المؤمنة، نتركك معه أيها الأخ القارىء بعد أن قطعت جولة الفكر في جريدتك الغراء. مرة أخرى نقول: في أمان الله