إن المحفزات للقدوم إلى مكةالمكرمة والمشاعر المقدسة كثيرةٌ جداً ، وتحديث النفس بالقدوم إلى البيت للصلاة والاعتمار والحج له دوافع متنوعة، منها الدافع الإيماني، ومنها الرغبة في تحصيل الأجر، ومنها الرغبة النفسية في ممارسة السياحة الشرعية المتمثلة في رؤية البقاع التي سار عليها الأنبياء والرسل ، ومشى على ثراها الصحابة والتابعون رضوان الله عليهم ، وتشرفت بنزول الوحي الإلهي، وغير ذلك من الدوافع . إن معرفة سير العظماء ممن اصطفاهم الله لتبليغ وحيه ، أو ممن اختارهم لصحبة أنبيائه والسير على مناهجهم ، ليدفع المتربين إلى التأسي والاقتداء ، ولكن هناك وسيلة ذات أثر بالغ تبقى لفترةٍ طويلة في أذهان المقتدين . تلك الوسيلة التربوية هي مشاهدة المعالم والمواطن التي جاهد فيها أولئك الأخيار ، وقاموا بعبادة خالقهم فيها على الوجه الأكمل. وعندما يرى المتربون تلك المواقع التي مورست فيها أنواع العبادات ، يعيشون مع الأحداث بكل مشاعرهم وأحاسيسهم ، وسيكون الأثر التربوي لهذه المشاهدات والمعاينات في نفوسهم وفي تصرفاتهم أعمق بكثير من تأثير الكتب والمحاضرات وما شابه ذلك . ولذلك ينبغي ألا تمر تلك الفرص بدون تعليق ، بل يجب أن تكون مجالاً خصباً لنقل المتربين إلى واقع تربوي مثالي عاشه أولئك الأخيار ، وأن تكون تلك المعاينات تاريخاً ناطقاً بالهدى والتربية والإيمان. وعلى المربي أن يستثمر هذا الحدث ، حدث القدوم إلى بلد الله الحرام ، لبث المفاهيم الإيمانية والقيم الخلقية المرتبطة بمكةالمكرمة، وهو ما يسمى لدى التربويين بأسلوب التربية بالأحداث، وهذا الأسلوب من الأساليب التربوية التي استخدمها المربي الأول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم . يقول خالد القرشي: (إن استغلال الحادثة ، والنفس منفعلة ومضطربة بها ، مهمة عظيمةٌ من مهام التربية النبوية ، ليبني المربي على النفس وهي في حالة تأثر واستجابة وانصهار ما يريد أن يبنيه من توجيهات إيمانية وتهذيبات أخلاقية ، فتنطبع على النفس وتتأثر بها وهي على أتم الاستعداد لتقبل ذلك) .