خلال ثلاثة شهور من الآن سيعود الرئيس الأمريكي جورج بوش إلى مزرعته في تكساس ليعيش حياته الخاصة. وإذا كان بوش قد ابدى بعض النصائح الحكيمة على اثر الأزمة الاقتصادية الخانقة التي هزت الاقتصاد الأمريكي بعد اجتماع مجموعة السبع لوزارء المالية في البيت الأبيض إلا أنه سيصبح جزءا من الماضي. ففي خلال 22 يوماً من الآن سيختار الشعب الأمريكي خليفته لتقع مسؤولية قيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية والعالم على أوباما أو مرشح الحزب الجمهوري جون ماكين (الأقل حظاً). وما لم تحدث أخطاء خطيرة أو أحداث جديدة حاسمة خلال الحملة الانتخابية قبل 4 نوفمبر القادم فانه من المحتمل أو الاحتمال الأكبر هو أن المسؤولية ستقع على أكتاف مرشح الحزب الديمقراطي باراك أوباما. فالسيد ماكين الذي أسس موقعاً ومكانة قوية لدى المواطن الأمريكي في الصف إلا أنه ما لبث وتراجع بقوة للخلف بسبب اختياره لنائبته سارة بالين التي ان خسر الانتخابات ستكون المسؤولة الأولى عن خروجه من دائرة الأفضلية للترشيح. والآن تسير الانتخابات في اتجاه أوباما بعد أن أظهرت آخر الاستطلاعات وجود فارق يفوق 7 نقاط في صالحه مما سيعطيه الريادة والأفضلية.. هذه الريادة تتعاظم الآن وفق ما أشارت اليه استطلاعات نيوزيك مؤخراً وأكدت أن الفارق تصاعد إلى 11 نقطة في الوقت الذي أكدت فيه فوكس نيوز تراجع نسبة مرشح الحزب الجمهوري جون ماكين بنسبة 39% مقارنة بالأعداد إلى كانت مسجلة في قائمته الانتخابية كما أن احصائيات الصناديق الانتخابية في العديد من الولايات أكدت تفوق أوباما حتى في الولايات التي كانت في العادة ترشح أعضاء الحزب الجمهوري. هذه النتيجة حدثت ربما بسبب ما يمكن أن نطلق عليه الألعاب النارية السياسية التي اخطأ فيها ماكين بدلاً من أن ركوبه صاروخ يحط به إلى البيت الأبيض وهذا أيضاً حدث نتيجة قضية سارة بالين وهو ما اطلقت عليه الصحافة الأمريكية (استجوابات تروبرجيت) والأخطاء الفادحة التي ارتكبتها حيث أمرت بفصل نسيبها وهو ما اعتبر سوء استخدام للسلطة واحدث حالة من الازعاج وعدم الاطمئنان لدى المواطن الأمريكي. والأدهى من ذلك أن المشكلة الكبرى هي أن بعض الناخبين توقعوا أن يكون تعيين حاكم الآسكا بداية أو خطوة للتوجه فيما بعد للبيت الأبيض وهو الأمر المرفوض الآن شكلاً ومضموناً. نضيف لكل ما سبق عمر المرشح الجمهوري الذي إذا فاز يصبح أكبر رئيس أمريكي سناً في التاريخ وهو ما أزعج ايضاً الناخب الأمريكي مقارنة بشباب أوباما وحيويته ولياقته وثقافته. ولعل الأهم من كل ما سبق هو تلك الرؤية الاقتصادية الناضجة لدى أوباما والتصور الرائع لوجود حلول عملية للأزمة الاقتصادية إذ اثبتت المناظرات التلفزيونية تفوقه الملفت في فهم الشأن الداخلي الأمريكي على عكس ماكين الذي يتفاخر بدرايته بالسياسات الخارجية وهو ما لاينسجم مع تطلعات واهتمامات الشارع الأمريكي. وإذا كانت الأزمة الاقتصادية التي تعيشها أمريكا الآن هي الأسوأ في التاريخ منذ عهد فرانكلين روزفلت فإن مهارة وحنكة أوباما ستكون كفيلة بالتعامل مع هذه المشكلة بقدر كبير من الواقعية وبعد النظر فإذا فاز فان الشعب الأمريكي لاشك سيسعد بذلك ولكن هذه السعادة ستكون بداية فقط لمشوار طويل من العمل الجاد والمسؤوليات الشاقة التي تنتظر مرشح الحزب الديمقراطي حتى يؤكد أنه فاز برهان التحدي وأنه الأجدر بتولي مسؤوليات القوى الأعظم في العالم.