اقتصاد سعودي قوي    "تقني‬ ‫جازان" يعلن مواعيد التسجيل في برامج الكليات والمعاهد للفصل الثاني 1446ه    مستقبل جديد للخدمات اللوجستية.. شراكات كبرى في مؤتمر سلاسل الإمداد    الزمالك يسقط في برج العرب ويواجه أول هزيمة في الدوري    خسارة إندونيسيا: من هنا يبدأ التحدي    مشكلات المنتخب    تأثير اللاعب الأجنبي    الخليج يُذيق الهلال الخسارة الأولى في دوري روشن للمحترفين    «صواب» تشارك في البرنامج التوعوي بأضرار المخدرات بجازان    «النيابة» تدشن غرفة استنطاق الأطفال    القبض على مقيم لاعتدائه بسلاح أبيض على آخر وسرقة مبلغ مالي بالرياض    فرع وزارة الصحة بجازان يطلق حزمة من البرامج التوعوية بالمنطقة    الأوركسترا السعودية    المنتدى السعودي للإعلام يفتح باب التسجيل في جائزته السنوية    «وسم حائل».. فعاليات متنوعة وتشكيلات فنية    ارتباط وثيق بين السكري والصحة النفسية    1.7 مليون ريال متوسط أسعار الفلل بالمملكة والرياض تتجاوز المتوسط    قوة المملكة الاقتصادية ورفع التصنيف    الأساس الفلسفي للنظم السياسية الحديثة.. !    إسرائيل تستهدف قياديًا في «حزب الله»    بوتين: الحرب في أوكرانيا اتخذت "طابعًا عالميًا"    سالم والشبان الزرق    الجمعان ل«عكاظ»: فوجئت بعرض النصر    المدى السعودي بلا مدى    معتمر فيتنامي: برنامج خادم الحرمين حقّق حلمي    الحريق والفتح يتصدران دوري البلياردو    إبر التنحيف وأثرها على الاقتصاد    «الرياض» تفصلهم وتجمعهم    «سلمان للإغاثة» ينظم زيارة للتوائم الملتصقة وذويهم لمعرض ترشح المملكة لاستضافة كأس العالم 2034    جمعية تآلف تحتفل باليوم العالمي للطفل بفعاليات ترفيهية وبرامج توعوية    فيصل بن مشعل يستقبل وفداً شورياً.. ويفتتح مؤتمر القصيم الدولي للجراحة    وزير التعليم يزور جامعة الأمير محمد بن فهد ويشيد بمنجزاتها الأكاديمية والبحثية    اختتام المؤتمر العربي لرؤساء أجهزة مكافحة المخدرات    ضبط شخص في عسير لترويجه الحشيش عبر مواقع التواصل    تعليق الدراسة الحضورية غداً بمدارس محايل عسير ورجال ألمع    بمبادرة سعودية.. الاحتفاء باليوم العالمي للتوائم الملتصقة    هل تعاقب دول غربية إسرائيل بحظر السلاح ؟    تأثير الذكاء الصناعي .. دفعت العائلة فدية لكنهم اكتشفوا أن ابنتهم لم تختطف    الطقس يهدد الولايات المتحدة    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    1850 متدربا ومتدربة على المانجا في اليابان    الانسانية تحتضر    "العوسق".. من أكثر أنواع الصقور شيوعًا في المملكة    وزير السياحة يدشن شركة رملة للرحلات السياحية والمنتجعات البرية في حائل    المنتدى السعودي للإعلام يفتح باب التسجيل في جائزته السنوية    5 مطارات تتصدر تقارير الأداء لشهر أكتوبر 2024    ترمب يرشح سكوت بيسنت وزيراً للخزانة    سعود بن نايف يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    معتمر فيتنامي: أسلمت وحقق برنامج خادم الحرمين حلمي    ضبط 19696 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    جمعية البر في جدة تنظم زيارة إلى "منشآت" لتعزيز تمكين المستفيدات    وفاة الملحن محمد رحيم عن عمر 45 عاما    حائل: دراسة مشاريع سياحية نوعية بمليار ريال    الأمر بالمعروف في عسير تفعِّل المصلى المتنقل بالواجهة البحرية    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    «الحياة الفطرية» تطلق 26 كائناً مهدداً بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأملات ودراسات في مسيرة محمد علوي العلمية
المملكة اهتمَّت بالمسابقات القرآنية
نشر في الندوة يوم 11 - 09 - 2008

تتجلى شخصية الإنسان فيما يحسنه ويتقنه بل ويحمله من علوم ومعارف من خلال الأبعاد الثلاثية (الزمان والمكان والأشخاص ) ولهذه الأبعاد دور واضح في تكوين الشخصية وبناء الذات ونضوج العقل , ونحن هنا في هذه القراءة السريعة نتوقف أمام شخصية شيخنا السيد محمد علوي مالكي الحسني الذي مرّ على رحيله ما يقارب الأربع سنوات عليه رحمة الله وهدفنا تسليط الضوء على جوانب مضيئة من تكوين شخصيته التي حوت الكثير من العلوم والمعارف وسوف نستجلي بعض تأملاته ودراساته القرآنية . ونعود فنقول إن الأبعاد الثلاثية كان لها تأثير بالغ في تكوين شخصية شيخنا المالكي , فالزمان هو منتصف القرن الرابع عشر الهجري وبدايات القرن الخامس عشر الهجري المليء بالأحداث والشواهد والمتغيرات الدولية والإقليمية والمحلية , أما المكان فهو مكة المكرمة اطهر بقعة على وجه الأرض فهنا بيت الله وكعبته ومهبط وحيه وملتقى الحضارات وتبادل الخبرات وتناقل المعارف والعلوم في رحلة الحج والعمرة والزيارة , أما الأشخاص فقد عاش شيخنا في بيئة علمية مليئة بالعلماء والأدباء والمفكرين فتأثر بهم ولعل أولهم جده الإمام السيد عباس عبدالعزيز مالكي الذي حفظ القرآن ولم يتجاوز الرابعة عشر وصلى بالناس إماما وهكذا والده السيد علوي بن عباس مالكي الذي حفظ القرآن وهو لم يبلغ العاشرة بعد وتأثر شيخنا السيد محمد علوي عباس مالكي الحسني فحفظ القرآن وصلى بالناس إماما وحضر المؤتمرات القرآنية.
فقد كان شيخنا السيد محمد علوي مالكي الحسني عليه رحمة الله يوقف كل دروسه في رمضان ويتأهب لدراسة القرآن الكريم وتعلمه وتعليمه وتفسيره بل والقيام به في صلواته وجلوا ته وخلواته بل ويصبح بيته ومجلسه ومعهده خلية قرآنية تدوي بالتلاوات والدراسات القرآنية ولننقل للقارئ الكريم بعضا من تأملاته فيقول رحمه الله ((ولقد كنت أقرأ في سورة المائدة فاستوقفني قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) ووقفت عند هذه الآية وقفة تأمل وتبصر واعتبار وأخذت أكررها وأرتلها متذوقاً حلاوتها مستشعراً بلاغتها متأثراً وجميع جوارحي بها وخلصت إلى:
1- إن الله تعالى لما أراد أن يكون هذا الدين خاتم الأديان فلا دين بعده ينسخه أو يبدله أو يصلحه، بدليل قوله تعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) جمع فيه من الأحكام والآداب والتعاليم ما يضمن له أن يكون خالداً باقياً، وصالحاً لكل زمان ومكان، وكفيلاً بإسعاد الإنسانية كلها وتخليص البشرية من أدرانها وإقامة العدالة والحق بين الناس أجمعين. فكان بذلك الدين القيم التام المحفوظ الخالد القيم، الذي قال فيه تعالى: (فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون).
التام: الذي قال فيه تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شيء).
المحفوظ: الذي قال فيه تعالى: (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه).
الخالد: الذي قال في سبحانه: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).
والتمام والحفظ والخلود هي أولى سمات الكمال فهو بهذه الصفات الدين الكامل.
2- وإذا كانت الرسالة الإسلامية هي الرسالة التامة القيمة المحفوظة الخالدة المكملة من كل نواحيها فلابد وأن يكون حاملها والداعي إليها الذي بعثه الله بها على ذلك المستوى بل وأرفع، وفي نفس تلك الرتبة بل وأعلى، وفي تلك المنزلة والدرجة بل وأجل، لأنه هو المتحمل القائم بأعباء هذه الرسالة ، ومعلوم أن الحمل الكبير لا يحمله -إلا من هو أكبر منه-.
ومن تأملاته ودراساته القرآنية عن شهر رمضان المبارك وتحديدا حول آيات الصيام فيقول عليه رحمة الله وبركاته (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للنّاس وبينات من الهدى والفرقان). هذا شهر رمضان قد أظل المسلمين ووحد بينهم في مشارق الأرض ومغاربها على اختلاف ألسنتهم وألوانهم، وحدّ بينهم في شعورهم وسرورهم وحد بينهم في استعادة ذكرياتهم المجيدة وحدّ بينهم في ليلهم و نهارهم وفي وقت طعامهم وشرابهم، جعل فقراءهم وأغنياءهم وحكّامهم ومحكوميهم ورجالهم ونساءهم في ذلك كله سواء تراهم جميعاً يتبادلون التهنئات بهذا الشهر المبارك مشرقة وجوههم باسمة ثغورهم منشرحة صدورهم طيبة نفوسهم منهم يذكرون بهذا الشهر المبارك (عيد القرآن) عيد الكتاب العربي المبين الذي كان نعمة الله على المسلمين بل نعمة الله على البشر أجمعين , لقد قاموا بالأمس من نومهم في غير وقت قيامهم ممسكين عن طعامهم وشرابهم وسائر شهواتهم إيماناً بالله واحتساباً لثوابه وابتغاء مرضاته لا فرق بين صعلوكهم ولا أميرهم. ولا امتياز لغنيهم على فقيرهم كلهم أمام أمر الله عباد مستوون. لقد نشطت نواديهم وحفلت مجتمعاتهم، وانطلقت ألسنة محاضريهم وخطبائهم يذكرون بالخير ويحضون على البر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويتواصون بالحق ويتواصون بالصبر) .
ثم يربط فضيلة شيخنا عليه رضوان الله شهر الصوم بآيات الصبر فيقول : (فالله سبحانه وتعالى يضاعف ثواب الصيام أضعافاً كثيرة بغير حصر عدد لأن الصيام من الصبر وقد قال تعالى: (إنّما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) ولهذا ورد عن النبي-صلى الله عليه وسلم- أنه سمي شهر رمضان شهر الصبر، وفي حديث آخر عنه-صلى الله عليه وسلم- قال الصوم نصف الصبر. أخرجه الترمذي
الصبر ثلاثة أنواع: الأول: صبر على طاعة الله، والثاني: صبر على محارم الله، والثالث: صبر على أقدار الله المؤلمة، وتجتمع الثلاثة في الصوم فإن فيه صبراً على طاعة الله وصبراً عما حرم الله على الصائم من الشهوات، وصبراً على ما يحصل للصائم فيه من ألم الجوع والعطش وضعف النفس والبدن. وهذا الألم الناشىء من أعمال الطاعات يثاب عليه صاحبه كما قال تعالى في المجاهدين: (ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطأون موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلاً إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين) وقوله في الحديث السابق إلا الصوم فإنه لي: يفيد اختصاص الصيام بالله دون سائر الأعمال. ومعنى ذلك أن الصيام هو مجرد ترك حظوظ النفس وشهواتها الأصلية التي جبلت على الميل إليها لله عز وجل ولا يوجد ذلك تاماً في عبادة أخرى غير الصيام، وإن كان ذلك قد يوجد في بعض العبادات لكن بخلاف الصيام فإنه يستوعب النهار كله فيجد الصائم فقد هذه الشهوات، وتشتاق نفسه إليها خصوصاً في نهار الصيف لشدة حره وطوله، ولهذا روي أنّ من خصال الإيمان الصوم في الصيف فإذا اشتدت رغبة النفس إلى ما تشتهيه مع قدرتها عليه، ثم تركته لله عز وجل في موضع لا يطلع عليه إلا الله كان ذلك دليلاً على صحة الإيمان.
وشيخنا السيد يدعو إلى تعليم الصبيان القرآن فيقول : ولذلك اعتنى النبي (صلى الله عليه وسلم) بتعليم القرآن عناية عظيمة خصوصاً بالنسبة للصبيان الصغار ، ولا شك أن في ذلك فائدة كبرى وهي لأجل أن تسري روح القرآن في قلوبهم ونوره في أفكارهم ، ومداركهم وحواسهم ولأجل أن يتلقن عقائد القرآن من الصغر ، وأن ينشأ ويشب على محبة القرآن والتعلق به والائتمار بأوامره والانتهاء عن مناهيه والتخلق بأخلاقه والسير على منهاجه .
ولذلك اعتنى المربون في هذه الأمة بتعليم الصبيان القرآن وذلك أصل من أصول الإسلام فينشأون على الفطرة ويسبق إلى قلوبهم أنوار الحكمة قبل تمكن الأهواء منها وسوادها بأكدار المعصية والضلال.
وكان (صلى الله عليه وسلم) يشترط على وفود الأعراب بعد إسلامهم قراءة القرآن بينهم وتعليمهم أمر الدين وإقامة المؤذنين . وفي اعتناء الصحابة (رضي الله عنهم) والسلف الصالح بعدهم بتعليم الصبيان اقتداء لما كان عليه المصطفى (صلى الله عليه وسلم) واستجابة كاملة لأمره ومسارعة صادقة لاكتساب الخيرات والبركات التي ضمنها بإذن الله لمن فعل ذلك إذ قال لهم : ( من علم ابنه القرآن نظراً غفر له ، ومن علمه إياه ظاهراً أي عن ظهر قلب بعثه الله على صورة القمر ليلة البدر ، ويقال لابنه ، اقرأ ، فكلما قرأ آية رفع الله (عز وجل) الأب بها درجة إلى آخر ما معه من القرآن ) ، رواه الطبراني عن أنس قال الهيثمي ، وفيه من لم أعرفه .
وقال : ( ما من رجل يعلم ولده القرآن في الدنيا ، إلا توّج أبوه يوم القيامة بتاج في الجنة ، يعرفه به أهل الجنة بتعليم ولده القرآن في الدنيا) رواه الطبراني عن أبي هريرة ، وفي رواية عند الإمام أحمد : (أنه يكسو والده حلتين لا تقوم لهما الدنيا أي لا تقدر بهما الدنيا فيقولان بم كسينا هذا ؟ فيقال : بأخذ ولدكما القرآن) ، وفي رواية الطبراني : (بتعليم ولدكما) .
وقال ابن خلدون في المقدمة في فضل تعليم الولدان : اعلم أن تعلم الولدان القرآن شعار من شعائر الدين ، أخذ به أهل الملة ودرجوا عليه في جميع أمصارهم بما يسبق فيه القلوب من رسوخ الإيمان وعقائده من آيات القرآن وصار القرآن أصل التعليم الذي ينبني عليه ما يحصل بعد من الملكات ، ثم اختصت العوائد الإسلامية بتقدم دراسة القرآن إيثاراً للتبرك وخشية ما يعرض للولد من جنون الصبا من الآفات والقواطع فيفوته القرآن) .
والسيد محمد علوي مالكي الحسني نظرة عالمية ودراسة حضارية ومفاهيم إنسانية حول المدرسة القرآنية ألقاها في مسابقة القرآن الكريم ابان ترؤسه لها فيقول :
أما بعد ، فإن كتاب الله بيننا هو شريعتنا ومحجتنا وهدانا وهو إمام كل نهضاتنا . والنهضات اليوم لا ترتجل ، وإنما تبنى لبنة لبنة ، بأيد الصناع المهرة المدربين ، وتعد خطوطها العريضة في رؤوس المفكرين وقلوب المؤمنين وعقول المشرعين ، وتنتج قواعدها وتنسج دروعها في معامل العلماء وصحف الاجتماعيين وأندية الاقتصاديين ، ان النهضة الإسلامية يجب أن تخرج من نطاق الكلمات الجوفاء والصرخات الرعناء والعصبيات الحمقاء والدعوات المرتجلة والحماسات الجاهلة إلى ساحات التنظيم والإعداد والتنسيق الكامل والكفاءة العلمية والخبرة الفنية . يجب أن يمسك بزمامها العلم المؤمن ، والوعي اليقظ المتطور والخلق الرفيع والقلب الواقعي والقلب الخاشع الحي ، والحزم المتوثب المجدد والفداء الحكيم الصاعد إلى الله بغاياته وأهدافه حتى لا تنحرف أو تضل أو تتفرق بها السبل .
يجب أن ترتكز على بعث عقلي جديد يقوم على اكتشاف الإسلام من جديد ، بكل ما فيه من إمكانيات وقوى وصيحات علمية ، وأن يستضاء في كل هذا بالمصدرين الأساسيين للإسلام ، كتاب الله وسنة رسوله ، كما يوضع في الميزان مناهج الحضارة الإسلامية في عصورها الإيمانية وما رسمته للمجتمعات البشرية من نظم وتشريعات وما حققته لأبنائها في ميدان العدالة الاجتماعية والقوة الاقتصادية والعظمة العلمية ، والكفاءة الحربية والمثاليات الأدبية والخلقية .
كما يجب أن نحدد موقفنا من هذه الحضارة المادية المنحلة ذات البريق العلمي الباهر ، والروح الجاهلي الملحد الفجر . هذه الحضارة تسللت إلى عقولنا وعاشت في قلوبنا وأخذت علينا سبل تفكيرنا وضربت على أبصارنا بالرغبة والرهبة وهيمنت هيمنة كاملة على أخلاقنا ونظمنا .
هذه الحضارة التي تضاد الإسلام روحاً وتقنيناً وتخالفه صراحة وفيما يرسم للمجتمعات من عادات وأخلاق ومثاليات .
والإسلام بناء كامل ، له أفقه الحضاري ، وله جهازه الثقافي وقانونه التشريعي ومجتمعاته التي تقوم على الأخلاق ومدارسه التي ترتكز على الروح والآداب ، ومثالياته التي تبنى عليه الحياة وتصعيده لكل عمل من أعمال الدنيا إلى الله . وهو أعز من أن يفنى في غيره ، وأكبر من أن يذوب في ثقافة متجاورة ولقد أنزله الله تعالى ديناً مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه وجعل من كل مؤمن به إماماً للنّاس يقود مواكبهم للحق ويأخذ بأيديهم إلى كلمات الله .
انه دين ورث النبوات والرسالات كافة وارتضاه الله أفقاً لجامعة الرسل وعنواناً لكل كتاب مقدس فأي تنازل منه في ميادين التشريعية والخلقية والتعبدية ، هو إهدار لكل الأديان وتفريط في أمانة الله ومساندة الجاهلية .
ولكنه أيضاً لا يعرف الجمود والتزمت ، والانفصال داخل الأسوار ، إنه لدين يمشي بالحياة ولا يقف ، ويمتد مع الناس إلى الخير ولا ينكص .
وعلى هذا الضوء نحدد موقفنا من الحضارة القائمة ، نأخذ منها مسببات القوة والبأس الشديد والعلم العريض ونعرض عن تحللها وعدوانها وجاهليتها الشهوانية الملحدة .
وعلينا أيضاً أن نحدد موقفنا ونحن نتناول الإسلام من جديد موقفنا مما ابتلى به الإسلام من طوائف ونحل ومذاهب ، مزقت وحدته وطمست أنواره وبددت قوته وطاقاته ، وما ابتلي به المسلمون من انحراف وضلال في فهم الرسالة العامة للإسلام والروح الشاملة لعقيدته .
إننا بعث جديد للإسلام من جديد بكل ما فيه من تطور وتحرر وبكل ما اشتملت عليه آفاقه وانطوت عليه أجنحته ، إننا لا نعرف الإسلام مذاهباً سياسية أو كلامية كما حاول الخوارج أو المعتزلة ، ولا نعرف الإسلام جدلاً فقهياً وحواراً فلسفياً وعزلة صوفية ولا نعرفه ممزقاً بين مبتدعة وسلفية .
لقد أخبرنا نبينا وسيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) عن كل هذه الأمراض والمصائب التي تنخر في الأمة وتهدم البناء ، وتشتت الشمل ، وتفرق الجمع . لقد وصف (صلى الله عليه وسلم) الداء وأرشد إلى الدواء ، فقال : ستكون فتن كقطع الليل المظلم ، قال الراوي : قلت يا رسول الله : وما المخرج منها ؟ قال : (كتاب الله تبارك وتعالى فيه نبأ من قبلكم وخبر من بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل وليس بالهزل ، من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله المتين ونوره المبين والذكر الحكيم ) .
وكتاب الله في مفهوم كتاب الله يعني سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، فالدعوة إلى كتاب الله إذا كانت صادقة فهي دعوة إلى سنة رسول الله « صلى الله عليه وسلم « لأن كتاب الله دعا إلى اتباع سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فالدعوة إلى القرآن والعمل به وترك السنة النبوية دليل واضح على تناقض الداعي وكذبه وافترائه .
ولذلك اعتنى النبي (صلى الله عليه وسلم) بتعليم القرآن عناية عظيمة خصوصاً بالنسبة للصبيان الصغار ، ولا شك أن في ذلك فائدة كبرى وهي لأجل أن تسري روح القرآن في قلوبهم ونوره في أفكارهم ، ومداركهم وحواسهم ولأجل أن يتلقن عقائد القرآن من الصغر ، وأن ينشأ ويشب على محبة القرآن والتعلق به والائتمار بأوامره والانتهاء عن مناهيه والتخلق بأخلاقه والسير على منهاجه .
ويقول أيضا رحمه الله : والواجب علينا اليوم أن نسلك الطرق الحديثة الجديدة التي تناسب عصرنا الحاضر على نسق ما يقتضيه تنوع الأساليب التربوية الحديثة بإقامة المسابقات وعقد الندوات والمعسكرات الإسلامية والمؤتمرات ، التي تخدم القرآن خصوصاً والثقافة الإسلامية عموماً ، ولا شك أن في هذه المسابقات فوائد كثيرة وعظيمة ، لا يستغنى عنها المجتمع الإسلامي اليوم .
فمن أعظم تلك الفوائد تشجيع أبنائنا على الإقبال على كتاب الله والارتباط به ، وحثهم على حفظه وتجويده.
ومن تلك الفوائد أيضاً إبراز فضل القراء المشتغلين بالقرآن ، وذلك بإكرامهم وتقديرهم وتعظيمهم ، ولا شك أنهم أولى بذلك لأنهم من شعائر الله ، والله (تعالى) : يقول : (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) ، والنبي (صلى الله عليه وسلم) أمر بذلك فقد جاء في الحديث المرفوع : (أن من إجلال الله إجلال ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن) .
ومن تلك الفوائد أيضاً إيجاد مكان التسابق والتنافس ، بعرض المواهب المختلفة في مظهر واحد ، وهذا بلا شك هو أفضل السبل لتأصيل الرغبة وشحذ الهمة وصقل الموهبة ، وبذلك يكون الانبعاث في النفوس على القرآن والعناية به قوياً أصيلاً من أعماق القلوب وإنسان العيون ، وهذا لا يتوفر إلا في هذه الاجتماعات والمسابقات التي يتوفر فيها تنمية عامل الشوق للقرآن والتعلق بالقرآن ، ومعلوم أنه إذا توفر ذلك فإننا لا نتحصل على جيل قرآني يحمل القرآن فحسب ، بل يحمل القرآن ويعمل من أجله وله ، ويسعى في سبيله ، ويذب عن ساحته ، ويغار على حرمته ، ويحرص على كرامته .
لذا فإن القيمة الأساسية لهذه المسابقات إنما تعرف تمام المعرفة بمعرفة قيمة القرآن ، ولا أظن أن مسلماً يجهل قيمة القرآن أو يجهل مدى ارتباطنا معشر الأمة المحمدي به فهو أساس عزنا ، وأصل سعادتنا ، ومبعث حضارتنا ، فكل خطوة في سبيل القرآن إنما هي في سبيل عز المسلمين وشرفهم ، والقضية هي ليست قضية مسابقات ، أو ندوات أو مكافآت ، القضية في الحقيقة هي أننا نسعى لتأييد كل مشروع يجرنا إلى هذا الكتاب ، ويربطنا به ويجدد عهدنا به .
والمسابقات هي إحدى الطرق النافعة والسبل الصالحة لتجسيد هذه الحقيقة وتحقيق هذا الهدف ، ولذلك فإننا بمسابقتنا هذه نخطو خطوة صادقة في هذا الطريق ، ونضع لبنة ثابتة في البناء ، ونرفع راية خفاقة في هذا الميدان تدعو إلى هدى وصراط مستقيم وتجمع الناس على خير عميم .
ولو نظرنا إلى ما يبذله المشجعون للمسابقات في المجلات الأخرى ، وما يتفنون فيه ويحسنون صنعه براحة ورضا وحرص وتنافس مع ما يكتنف ذلك ، من دعاية تجذب الأنظار ، وتسترعي الانتباه ، وتوقظ النائم وتنبه الغافل .
ولو نظرنا إلى هذا وقسناه بما يبذل في سبيل القرآن لوجدنا أن البون شاسع ، وأننا لا زلنا في تقصير كبير ، فهل يبقى بعد ذلك انتقاد لحاسد في استكثار هذا الخير ؟ (قل أعوذ برب الفلق ، من شر ما خلق ، ومن شر غاسق إذا وقب ، ومن سر النفاثات في العقد ، ومن شر حاسد إذا حسد) ، ومن هذا المنطق الحميد قامت حكومتنا الرشيدة بالاهتمام التام بهذه المسابقات ورصدت لها المكافآت السخية التي تزيد في كل عام وتتوسع إلى ماهو أفضل وأحسن ، مما يجعلها في هذا الباب قائدة ، وفي هذا الميدان رائدة ، وهذا الفضل والسبق جدير بها وكانوا أحق بها وأهلها .
وفي ختام هذه القراءة السريعة لبعض تأملات ودراسات الشيخ الدكتور السيد محمد علوي مالكي الحسني فاننا ندعو لتكريمه لاسيما من قبل المشرفين والقائمين على مسابقة القرآن الدولية وفاء وعرفانا لما قدم
فقد تفنن في سائر العلوم فرحل رحمه الله تاركا لنا ارثه العلمي الكبير الذي يحتاج لدراسات علمية جادة سواء في التفسير وعلومه أو في الحديث ومصطلحاته أو التربية وفنونها وغير ذلك من العلوم والمعارف التي امتاز بها طوال فترة حياته العلمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.