أيام قلائل ويطل علينا موسم التجارة الرابحة مع الله تبارك وتعالى ، والذي كان ينتظره الأوائل من المسلمين ستة أشهر فإذا بلغهم الرحمن صيامه وقيامه دعوا الله ستة أشهر بعده بأن يُتَقَبَلْ منهم أعمالهم ، فهذا حال السابقين من المسلمين رضي الله عنهم مع شهر رمضان المبارك ، واليوم اختلفت القواعد الدينية لهذا الضيف الكريم فهو من أكثر شهور السنة الذي تعتني به الفضائيات المختلفة ، وتستعد له من قبل عشر أشهر ، فما أن يهل علينا شهر رجب من كل عام حتى نرى الإعلانات تظهر في جميع وسائل الإعلام بشكل جذاب تشوق ضعفاء النفوس وتدعوهم للاستعداد لمتابعة ما يبث من عفن فني خلال الأيام المباركة الفضيلة ، وتنظيم يومهم الرمضاني على مواعيد تلك الإرساليات المتعددة ، وكأن شهر رمضان المبارك شرعه الرحمن لمتابعة البرامج والمسلسلات والمسابقات ... وغيرها مما يضيع على المؤمن وقته الثمين في أفضل الشهور عند الله ، ونظرة سريعة على برامج التلفزيون في شهر القرآن على شاشاتنا العربية نجد أن ما خصص للبرامج الدينية فيها قليل جداً وتبث في أوقات غير مناسبة ، الأمر الذي يجعلنا نتساءل : أين الجهات الرقابية عن ما يبث من مواد إعلامية هابطة تأخذ المشاهد من القيام بالواجبات التي فرضت عليه في هذا الشهر الكريم وتضيع عليه بركة رمضان وخيره؟ حتى أن تلك القنوات تتخلل برامجها بين الحين والآخر في هذه الأيام فلاشات إعلانيه (رجل يلبس فستاناً ، ويضع مكياجاً ويتدلع في كلامه لعله يثير سخرية الآخرين مسلسل فكاهي مثير - فتوة يصرخ بوجه الحرامي ، وابنته تريد الزواج من حبيبها الفقير مسلسل درامي شيق - رجل يحمل سيفاً ، ويقول شعراً وكأنه خارج للدفاع عن محبوبته مسلسل تاريخي خطير ....) وجميع المشاهد تتكرر على الفضائيات ، وأخيراً (رمضان يجمعنا) وما ذلك إلا كدعوة منهم للمشاهدين بأن يترقبوا ما سيبث خلال الأيام والليالي الكريمة لكسبهم ، وتوسيع دائرتهم ، وسؤال يطرح نفسه : ما علاقة شهر رمضان المبارك بهذا الكم الهائل من المسلسلات والأفلام والبرامج الترفيهية التي لا نجدها في غيره من شهور السنة ؟ ولو تمعنا في حياة السلف الصالح رضوان الله عليهم كيف أنهم كانوا في شهر رمضان المبارك يتركون كل شيء من مشاغل الدنيا الفانية ويتفرغون لقراءة القرآن الكريم وإقامة الصلاة والعبادات النافلة لعلمهم يقيناً بأن هذا الشهر خير شهور السنة ، وفيه تصفد الشياطين ، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى - وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادات ، فكان جبريل عليه السلام يدارسه القرآن في رمضان ، وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة ، وكان أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان ، يكثر فيه الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف وكان يخص رمضان من العبادة ما لا يخص غيره به من الشهور ، حتى إنه كان ليواصل فيه أحياناً ليوفر ساعات ليله ونهاره على العبادة - فالوقت إذا لم يُقْضِ بالخير قُضي بضده وتلك مسألة لا ينازع فيها أحد ، وأعداء الله يكيدون لنا ويخططون لإشغالنا بكل ما هو ساقط في الوقت الذي يستثمرون فيه أوقاتهم بما يفيدهم في حياتهم ، فأين رجال الإعلام من هذا الكلام الدرر ! أينهم من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) وقوله عليه الصلاة والسلام : (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) فلنبادر بالأعمال الصالحة ولنسعى في أن نستثمر أوقاتنا في رمضان بزيادة العبادات والبعد عن كل ما يلهي عنها ، بلغنا الله شهر العتق من النيران ونحن نرفل في ثياب الصحة والعافية ، وأن يعيننا على صيامه وقيامة ، فالدنيا ممر ، والآخرة مقر ، واللبيب بالإشارة يفهم. ومن أصدق من الله قيلاً ( وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).