إن الأقوال عن فن التجريد في الفن التشكيلي تتأطر في مفهوم واحد رغم الاختلافات التحليلية له، وهذا يشكل صعوبة في إدراك دلالاته وفهمه فهماً صائباً، وقد استغل هذا بعض الدخلاء على الساحة الفنية وتسللوا إلى ردهاته، في ظل غياب الناقد الفني الدارس والمطلع الفاحص المتأمل والممارس الدؤوب على التجريب، فأصبحوا يخلطون الألوان ويبعثرون الخطوط ويشطحون بالمساحات يمنة ويسرى دون وعي أو استدراك لقيم جمالية أو تعبيرات لونية أو أحاسيس خطية أو إطلالات مساحية، أو فهم فكري أو تجربة صادقة لإحداث رؤية فنية مفعمة بالقدرة الأدائية وروحانية عميقة وأصالة اجتماعية، ذلك لأن أداءهم لايستطيع أن يصل إلى تسجيل الشكل التمثيلي وتحليلاته المنطقية البصرية ذات صلة بالواقع وقواعده الأكاديمية، فيروغون على منوال أعمالهم بالفوضى والتهكم على فضاءاته، معللين بهذا على فهمهم الصائب لفن التجريد ومدارسه الحديثة وقدرتهم للتعبير عن خلجاتهم وأحاسيسهم والتي لايستطيع المتلقي العادي الوصول إلى فهمها الفهم الجيد، فيستطيع هؤلاء العابثون دون وساطة الشكل الواقعي أن يثير مباشرة وحالاً حالات عاطفية وانفعالات أكثر استجابة من تلك التي يثيرها الشكل التمثيلي الواقعي كما يزعمون، وبهذا يكون فن التجريد لقمة سائغة لكل من يحب أن يلهو بالألوان أو يحرك عنان يديه للأقلام.