صلة ما قبله .. أخي الحاج إن الاعباء التي تقوم بها هذه الأمة المضيافة والجهود الجبارة لاستيعاب هذه الاعداد الهائلة من الحجاج على اختلاف أجناسهم وعوائدهم مستمرة ولو لم تكن كذلك لما برزت بهذا الشكل المتقدم. إن ما يقدمه هذا البلد من العناية والاحاطة لك ولاخوانك من الضيوف منذ قدومهم حتى عودتهم إلى بلدانهم واجب وشرف له ما بعده. لقد سخرت كل طاقاتها من أجل تسهيل وتيسير أداء هذه الجموع نسكها على أكمل وجه .. ومن الواجب أن يعي العقلاء مقدار ما بذل وضوعف في سبيل ذلك .. إن هذه الجهود لم تعد خافية على حاضرة اليوم .. الحرم الشريف أو ما يحيط به أو في المشاعر المقدسة أو فيما بين تلك وهذه قد انجزت بتوجيه ومتابعة دقيقة من لدن أعلى مسؤول في الدولة مروراًَ بالاخيار الذين استنفروا كامل رجالات الحكومة السعودية لكي يسعد الحاج بقضاء فريضته على أكمل وجه وأهنأ بال .. هذا التيسير والأمن والخدمات المرافقة وحدة متداخلة متضافرة من أجل تهيئة المناخ الآمن والتأدية المتيسرة .. ومن هنا يجب ان يساهم الحاج مع إخوانه في المحافظة على النظام المرسوم للحج وان يعي ان السكينة والخشوع ومتابعة ما قرره الشرع هو العمدة لنجاح حجه .. حيث أن من أهداف الحج السامية السكينة وعدم المزاحمة والرفق بالعجزة والضعفاء واستشعار الحرمة والهيبة والبعد ما استطاع الحاج عن المزاحمة سواء في النفرة من عرفات أو في الرمي أو في المنحر أو في طواف الافاضة أو في أي من المواقف الأخرى. لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك .. إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك .. أخي الحاج يأبى الشعر في هذه المناسبة إلا ان يرفع صوته فإليك هذه القصيدة التي قلتها عن سكان وتاريخية المشاعر المقدسة وهي بالفعل جزء من قصيدة سبق وانشدتها في نادي مكة: حييت يا نبع الطهور ويا ثرى نطف الريادة من عروق عن بني !! الوراثين الحب أبيض أخضرا والموغلين به لأكرم معدنِ!! قربوا من النور العظيم فهذه بشرى وتلك خبيئة لم تعلن وهناك في كبد السماءِ غمائم وقوافل موقورة بالبينِ!! حييت ياسمى ويازكى هوى لم يمتهن بالطين والمتلونِ!! حييتِ ..لا ..لبيك روحي فلذة تسعى إليك بشوقها المتمكن! نفرت عن الجسد المهين وسابقت نفسي وجهد الآدمي الهين!! وأتتك لائذة تكاد من الأسى تذوى ومن تاريخه المتبطن! لبيك لم أبطر ولم أسكن سوى بدن رقيق بالرزايا مثخنِ؟! كلي فم في كل عرق عبرة ملهوفة وتنّهد لم يسكنِ!! يامهبط الإشراق كم من معجز وحضور أملاك ومدّكر غني!! كم فيك من مثل يطول وحكمة ملء الوجود وجبهة لم تنحنِ!! ويوم الخميس الماضي حل يوم عرفة يوم المشهد الكبير ومن ثم عيد الأضحى المبارك يوم الجمعة فما أروع العيد وما أبعد ما يعنيه .. جاء وقد تقاطرت الأجيال من هذه الأمة وتناثرت خطاها في كل المفترقات ومن ثم ما قدرت على تدوينه ودفعه .. أمم وأمم .. تاريخ حافل ومجاهدة وصبر .. إن الحاضر الذي يوحيه العيد في عقليتنا هو الثبات وهو اننا نسير على المفهوم الحضاري والمشروع الواضح في هذه الجزيرة الطاهرة .. هذه البلاد التي تظلنا وتحتوينا بدنا بدنا ولها منا الوفاء والعافية والتفاني وما منا من لو نظر فيما حوله لشاهد الآية والمثل فكلنا خلاصة من خلاصة فمن نبي إلى راشد إلى صحابي إلى شهيد إلى قدوة .. ملأنا صفحة الدنيا ذكرا وعبرا ولازال في الدهر وفي تضاعيف ما يحدثه عطور تختزنها الأيام .. وأمور لا تعقم ولا تضعف مع التداولات والمتغيرات .. يأتي العيد في بلد العيد في موقد الشعلة التي بددت عتمة الكون وازالت الغشاوة فما أزهر وما أعم فضله .. من هنا من مهبط الوحي وطلائع المفتدين من مدرج الفصحى ومعجزة البيان يشمخ العيد وتعم أضواؤه هذا الكوكب لينير بمثاني المعجز كل ما خلقه الله أسوده وأحمره .. فالله اكبر الله اكبر لا اله الا الله له الحمد والمنة.