يتحرى المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها ليلة القدر في العشر الأخيرة المباركة من سيد الشهور شهر رمضان الكريم ، هذه الليلة العظيمة التي شرفها الخالق سبحانه وتعالى على غيرها ومنّ على هذه الأمة بجزيل فضلها وخيرها حيث اشاد بفضلها في كتابه المبين فقال تعالى (إنا انزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم أمراً من عندنا إنا كنا مرسلين رحمة من ربك انه هو السميع العليم رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين لا إله إلا هو يحيى ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين). وصفها الله سبحانه وتعالى بأنها مباركة لكثرة خيرها وبركتها وفضلها وفي بركتها أن هذا القرآن المبارك أنزل فيها ووصفها سبحانه بأنه يفرق فيها كل أمر حكيم يعني يفصل في اللوح المحفوظ إلى الكتبة الكرام الكاتبين ما هو كائن من أمر الله سبحانه في تلك السنة من الارزاق والآجال والخير والشر وغير ذلك في كل أمر حكيم من أوامر الله المحكمة المتقنة التي ليس فيها خلل ولا نقض ولا سفه ولا باطل ذلك تقدير العزيز العليم ومن فضائل ليلة القدر كما وردت في السورة المباركة (القدر) :- 1- أن الله انزل فيها القرآن الذي به هداية البشر وسعادتهم في الدنيا والآخرة . 2- ما يدل عليه الاستفهام من التفخيم والتعظيم في قوله تعالى (وما أدراك ما ليلة القدر). 3- أنها خير من ألف شهر. 4- أن الملائكة تتنزل فيها وهم لا ينزلون إلا بالخير والبركة والرحمة. 5- أنها سلام لكثرة السلامة فيها من العقاب والعذاب بما يقوم به العبد في طاعة الله عز وجل. 6- أن الله أنزل في فضلها سورة كاملة تتلى إلي يوم القيامة. وفي فضائل ليلة القدر ما ورد في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام ليلة القدر ايماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه). فقوله إيماناً واحتساباً يعني إيماناً بالله وما أعد الله من الثواب للقائمين فيها واحتساباً للأجر وطلب الثواب وهذا حاصل بمشيئة الله لمن علم بها ومن لم يعلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط العلم بها في حصول هذا الأجر العظيم وليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان لقول النبي صلى الله عليه وسلم (تحروا ليلة القدر في العشر الاواخر من رمضان) متفق عليه وهي في الاوتار أقرب من الأشفاع لقوله صلى الله عليه وسلم (تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الاواخر من رمضان) رواه البخاري. وهي في السبع الأواخر أقرب لحديث ابن عمر رضي الله عنهما ان رجالاً من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أدوا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أرى رؤياكم قد تواطأت) يعني اتفقت في السبع الاواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الاواخر. متفق عليه. ولمسلم عنه: ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (التمسوها في العشر الأواخر) يعني ليلة القدر فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلبن على السبع البواقي وأقرب أوتار السبع الاواخر ليلة سبع وعشرين لحديث أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال: (والله إني لأعلم أي ليلة هي ، هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هي ليلة سبع وعشرين) . رواه مسلم ولا تختص ليلة القدر بليلة معينة في جميع الأعوام بل تتنقل فتكون في عام ليلة سبع وعشرين مثلاً وفي عام اخر ليلة خمسة وعشرين تبعاً لمشيئة الله وحكمته ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : التمسوها في تاسعه تبقي ، في سابعه تبقي في خامسة تبقي. رواه البخاري. وارجح الأقوال كما جاء في فتح الباري انها في وتر في العشر الاخير وأنها تتنقل ، وقد اخفى الله سبحانه وتعالى علمها على العباد رحمة بهم ليكثر عملهم في طلبها في تلك الليالي الفاضلة بالصلاة والذكر والدعاء فيزدادوا قربة من الله وثواباً عظيماً وأخفاها اختباراً لهم ايضاً ليتبين من كان جاداً في طلبها حريصاً عليها فمن كان كسلان متهاوناً فإن من حرص على شيء جد في طلبه وهان عليه التعب في سبيل الوصول إليه والظفر به وربما يظهر الله علمها لبعض العباد بأمارات وعلامات يراها كما رأى النبي صلى الله عليه وسلم علامتها، انه يسجد في صبيحتها في ماء وطين فينزل المطر في تلك الليلة فسجد في صلاة الصبح في ماء وطين ليلة القدر يفتح فيها الباب ويقرب فيها الاحباب ويسمع فيها الخطاب ويرد الجواب ويكتب فيها للعاملين عظيم الأجر ، فلنجتهد فيها وفي طلبها والدعاء لأمة الاسلام بالخير العميم والنصر والتمكين وقضاء الحوائج ممن رحمته وسعت كل شيء سبحانه وتعالى. تولى العمر في سهو وفي لهو وفي خسر فيا ضيعة ما انفقت في الأيام من عمري ومالي في الذي ضيعت من عمري من عذر فما أغفلنا عن واجبات الحمد والشكر أما قد خصنا الله بشهر أيما شهر بشهر أنزل الرحمان فيه أشرف الذكر وهل يشبه شهر وفيه ليلة القدر فكم من خبر صح فيها من الخير روينا عن ثقاة أنها تطلب في الوتر فطوبى لامرىء يطلبها في هذه العشر ففيها تتنزل الأملاك بالأنوار والبر وقد قال سلام هي حتى مطلع الفجر ألا فادخروها إنها من أنفس الذخر فكم من معتق فيها من النار ولا يدري.. اللهم اجعلنا ممن صام الشهر وأدرك ليلة القدر وفاز بالثواب الجزيل وعظيم الأجر اللهم اجعلنا من السابقين للخيرات الهاربين من المنكرات الامنين في الغرفات مع الذين أنعمت عليهم ووقيتهم السيئات اللهم أعزنا من مضلات الفتن وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، اللهم ارزقنا شكر نعمتك وحسن عبادتك واجعلنا من أهل طاعتك وولايتك وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم ، أجمعين والحمد لله رب العالمين، وعلى الله قصد السبيل.