تعتبر الجزيرة العربية مهد الحضارات الإنسانية منذ فجر التاريخ وهي بحكم موقعها الجغرافي أصبحت جسراً للتواصل بين الشرق والغرب فكانت تجارة العرب تجوب الأمصار في رحلتي الشتاء والصيف إلى الصين والهند شرقاً ، وإلى أوروبا وشمال أفريقيا شمالاً ثم إلى أعماق إفريقيا جنوباً حيث تحمل قوافل العرب البضائع والكنوز والنفائس. وقد زادت مكانة الجزيرة العربية رفعة بين الحضارات ، ببزوغ فجر الإسلام حيث أصبحت لها مكانتها الخاصة على الخارطة العالمية. وفي عصرنا الحديث تبوأت مكانة مرموقة بين دول وشعوب العالم في عهد الدولة السعودية الحديثة بما تهيأ لها من مقومات حضارية واقتصادية وسياسية وخاصة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز رجل السلام الأول.. الذي أسس وأرسى قواعد ومبادئ الحوار مع الحضارات وعزز مكانة الإسلام في أقطار العالم أجمع. والمتتبع لأحوال ( الآثار والسياحة ) في بلادنا في السنوات الأخيرة يجدها في نمو مضطرد فاق كل التصورات والتوقعات ، فقد تسنم دفتها الأمير المبدع سلطان بن سلمان الذي ساح الفضاء فتفتقت عبقريته عن رؤى وأحلام أصبحت حقيقة على أرض الواقع. وذلك لإيمانه بالرسالة الثقافية والحضارية التي تؤديها ( الآثار والسياحة ) ، فهي لم تعد وسيلة للترفيه والمتعة فقط.. بل آفاق واسعة للتعلم والاستنارة والاستفادة والاستزادة من معطيات علمية وثقافية واجتماعية وفنية تعمل على التواصل الإنساني الحضاري بين الشعوب. ومن البرامج والأنشطة التي تقوم بها ( الهيئة العامة للآثار والسياحة ) وبتوجيه مباشر من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وبمتابعة واشراف صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان المتاحف المتنقلة التي جابت وتجوب أوربا ، فمن متحف اللوفر في فرنسا ، ثم إلى متحف براغ في التشيك ، ومتحف برشلونة في اسبانيا ومتحف الارميتاج في روسيا.. كما أقيم معرض ( الحج.. رحلة إلى قلب العالم الإسلامي ) في عاصمة الضباب. وهذه في الواقع جهود جبارة تشكر عليها حكومتنا الرشيدة وكل من يقوم عليها ويرعاها وذلك لأهميتها في خدمة القضايا الإسلامية الملحة ، فهي وسيلة للتواصل الإنساني مع الحضارات الأخرى بوضع أرضية مشتركة للحوار مع الآخر ؛ فالمتاحف والمعارض والفنون من سينما ومسرح وغيرها تعمل على تجسير الفجوة بين الشعوب المتناقضة في عقائدها وفكرها وقيمها. بل هي وسيلة لتعريف الآخر بالدور الذي قام به إنسان هذه الأرض عبر العصور في نمو الحضارة الإنسانية ، فبعض المعروضات يعود تاريخها إلى مليون سنة قبل الميلاد وبعضها يعود للحميريين.. وهو مخزون ينبئ عن الموروث الثقافي لأرض الجزيرة العربية عبر حقب تاريخية متنوعة مما أدهش مئات الآلاف من الزوار في أوربا وأمريكا وخاصة كبار الشخصيات مثل رئيس وزراء فرنسا ساركوزي وولي عهد بريطانيا الأمير تشارلز.. وغيرهم ، حيث حققت هذه المتاحف أو المعارض نجاحات منقطعة النظير بما توفر لها من مقومات الدعم الاقتصادي والعلمي والكوادر البشرية الوطنية المؤهلة التي استعانت بخبرات أجنبية موثوقة للبحث والتنقيب أولاً عن كنوز الأرض ثم للإعداد والتنسيق والتنظيم لهذه المتاحف. بل لقد عملت الهيئة على خطة قيمة لاستعادة ( الآثار الوطنية المسلوبة ) من الأفراد والمنظمات ومكافأة كل من أعاد شيئاً من الآثار التاريخية.. وجميع تلك الجهود تعتبر إنجازات تحسب للهيئة في تطويرها للآثار والسياحة. ولكن السؤال الذي يتردد في أذهان المثقفين وخاصة من أهالي مكةالمكرمة هو : متى يُنشأ أو يقام متحف أو معرض عالمي في مكةالمكرمة على غرار تلك المتاحف التي أقيمت خارج الوطن ؟. فمكةالمكرمة هي قبلة المسلمين وهي أول بيت وضع للناس ، ويفد إليها كل عام الملايين من الحجاج والمعتمرين وكبار الشخصيات من العالمين العربي والإسلامي. أليس حري بنا أن يكون في مكةالمكرمة متحف دائم يليق بعظمة المكان فيطلع عليه كل أولئك والذين قد يصعب أو يستحيل عليهم زيارته في الخارج ؟.. أليس من حق طلاب العلم والدارسين للتاريخ والحضارات الإنسانية في العالمين العربي والإسلامي مشاهدة هذه الآثار ودراستها وكتابة التقارير عنها من خلال الزيارات العلمية المقننة بدلاً من حفظ ودراسة المعلومات فقط من الكتب ؟. ألا نحقق من جراء ذلك مورداً اقتصادياً هائلاً وإنعاشاً للسياحة الدينية في مكةالمكرمة ؟.. ألا نوفر من خلالها الآلاف من الوظائف لخريجي أقسام التاريخ والحضارة الإنسانية وطلاب كليات السياحة ؟.. بل ألا نحقق من ذلك الكثير من أهدافنا الوطنية والإنسانية والحضارية بالتواصل الإنساني الراقي ونبذ الفرقة والطائفية والمذهبية من خلال الثقافة المشتركة لإنسان هذه الأرض ؟. اعتقد أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو أمير منطقة مكةالمكرمة خالد الفيصل واللذين يعملان كل ما بوسعهما لتطوير مكةالمكرمة لا يخفى عليهما أهمية أن يكون في مكةالمكرمة متحف عالمي يليق بعاصمة العالم الإسلامي ومكانتها التاريخية والدينية عبر العصور ، وإن تحقيق ذلك سيكون بصمة متميزة في تطوير السياحة والثقافة في مكةالمكرمة لتكون شاهداً للتاريخ وللأجيال القادمة على عظمة هذه الدولة السعودية في اهتمامها بالمقدسات الإسلامية والآثار التاريخية. نسأل الله التوفيق للجميع لما يحبه ويرضاه.