لم يدر بمخيلة زوار معرض الكتاب الدولي بالرياض 2012، أن بإمكانهم من خلال ضغطة زر واحدة على جهازهم الحاسوبي، رؤية أول مدونة سعودية على المستوى العربي من حيث الحجم، تحتوي على 700 مليون كلمة عربية دونت منذ عصر ما قبل الإسلام حتى وقتنا الحاضر. وتعد المدونة إحدى المشروعات الاستراتيجية التي تنفذها مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية في إطار مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - للمحتوى العربي، التي تهدف إلى إثراء اللغة العربية ودعم تطبيقاتها المختلفة. وتضمنت مبادرة خادم الحرمين الشريفين - أيده الله - ، مشروعاً فكرياً آخر، أطلق عليه مسمى “ويكي عربي” وأنتهت مرحلته الأولى عام 1432ه بترجمة أكثر من 2000 مقالة من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية عبر موقع www.wikiarabi.org ، ليتم حالياً البدء في المرحلة الثانية عبر الموقع www.wikiarabi2.org، الذي سيترجم فيه للعربية 12 لغة هي الإنجليزية،والألمانية،والفرنسية،والإيطالية،والبولندية، والأسبانية، واليابانية، والروسية، والصينية، والتركية، والعبرية، والفارسية. وتتفق المدونة العربية التي أُطلقت في معرض الكتاب الدولي لأول مرة في تاريخه، بمسمى “ المدونة اللغوية العربية - K.A.C.S.T Arabic Corpus”، في فكرتها مع ما ذكره الفيلسوف الكندي مارشال ماكلوهان قبل عقود من الزمن من أن الكون أصبح قرية صغيرة، إذ يستطيع المهتم باللغة العربية من جميع أنحاء العالم الإطلاع من خلال موقع المدونة (www.kacstac.org.sa) على جميع الكلمات العربية التي تم رصدها منذ العصر الذي سبق بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم واستمر قرابة قرن ونصف من الزمان،مروراً بالعصور الوسطى، حتى نهاية عام 2011م. وروعي في إنشاء هذه المدونة، النشاط الفكري لكل فترة زمنية مرت بها هذه العصور، وتنوع أوعية نشرها، والسائد من المجالات العلمية والفكرية المختلفة،إلى جانب الأبعاد الزمنية،والجغرافية،والوعاء المعلوماتي،والمجال المعرفي، والتصنيف الموضوعي، لتصبح وعاءً عربياً فكرياً يتجاوز في مفاهيمه معنى المكتبة الإلكترونية التي يستعرض فيها النصوص. وأوضح المشرف على الإدارة العامة للتوعية العلمية والنشر في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية الدكتور منصور الغامدي، أن هذه المدونة نموذج مُمثل للغة رصدت كلماتها من 14 ألف كتاب من الحجم المتوسط، وتتميز بحسن تصميمها وتنوع مجالاتها ومعارفها، من خلال ما تقدمه من نصوص جُمعت لغرض معيّن، بناءً على المعايير الخارجيه “ التي ليس لمحتوى النص علاقة بها”، مثل أوعية النشر أو تاريخ النشر، بحيث تم وضع المعايير التي تناسب الغرض ثم يُبحث عن النصوص التي تحقق هذه المعايير بغض النظر عن المحتوى. وعد في تصريح له أن هذه المدونة أول مدونة عربية بهذا الحجم والتنوع والتبويب والإحصاءات، ومتاحة للعامة والمتخصصين والباحثين، مشيراً إلى أن أهميتها تكمن في كونها أساساً مهماً وبنية تحتية لكثير من الأعمال التي تتعلق باللغة العربية مثل المناهج الدراسية،وبناء المعاجم،ودراسة اللغة العربية وحوسبتها،ومعالجة النصوص والترجمة الآلية. وقال: إن عملية رصد المدونة بدأت من مرحلة ما قبل التدوين للتواريخ إلى عام 600 م ورصد خلالها 700000 كلمة، ومن عام 600م إلى 800م مليونين وثمانمائة ألف كلمة،ومن عام 800م إلى 1900م 77 مليون كلمة، وتم ما بين عامي 1900م و1980م رصد 28 مليون كلمة،وما بين 1980م و1990م تم رصد 52 مليون وخمسمائة ألف كلمة، ومن 1990م إلى 2000م تم رصد 98 مليون كلمة،بينما تم بين عامي 2000م و2010م رصد 164 مليون وخمسمائة ألف كلمة، وفي عام 2011م تم رصد 276 مليون وخمسمائة كلمة. ولفت النظر إلى أنه في عام 2013م سيتم الوصول إلى رصد مليار كلمة عربية، قائمة في جهودها على معيار الزمن أو البعد التاريخي الذي أثر على الوعاء أو الصورة التي ظهر فيها النص،وكذلك على حجم النصوص المطلوب رصده لكل فترة زمنيه والذي كان على هيئة دالة أسية تتناسب مع تطور المعارف والعلوم والتدوين الخاص باللغة العربية، بحيث يزداد عدد كلمات المدونة كلما قربنا من العصر الحديث ويزداد تنوع صورها معه كذلك. ودعا المشرف على الإدارة العامة للتوعية العلمية والنشر في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية جميع الباحثين والمهتمين والعاملين على اللغة العربية إلى الاستفادة من هذه المدونة وتوظيفها في الأعمال القائمة على اللغة العربية حتى تكون هذه الأعمال مبنية على منهج علمي راسخ، حيث ستُخرج اللغة العربية من الاجتهادات الفردية وغير الموضوعية لتكون منافسة لأشهر اللغات كالإنجليزية، وذلك من ناحية الدقة، والمعلومات اللغوية العلمية القائمة على الإحصاء والتطبيق الواقعي للغة. مما يذكر أن المدونة في مرحلتها الحالية وضعت للنصوص المكتوبة (وليست للنصوص المنطوقه مثل التسجيلات الصوتية والتلفزيونية) والكاملة ( أي النصوص غير المكتملة مثل فصل من كتاب أو جزء من مقال)، وتساعد بياناتها من خلال أدوات البحث والتحليل اللغوي والإحصائي للموقع،في معرفة الاستخدام الفعلي للغة بشكل واقعي وحقيقي مؤيداً بالأرقام والإحصائيات لهذا الاستخدام بعيداً عن التخمين والحدس والافتراض.