الغضب تفاعل خلقي سلوكي وانفعالي ، لازم الإنسان منذ بداية الخلق فانفعل إبليس من وجود ادم ولم يسجد له وعصى ربه ، ولم يستطع الإنسان رغم مرور العصور، من نبذه،أو الوقوف أمامه والتخلص منه. وهو عبارة عن تفاعل، كيميائي، يحدث في خلايا الجسد بإفراز هرمون (الأدرينالين)، المهيج، بتحفيز، من الحواس عبر إشارة عصبية، وبعد أن يشعر المخ بتحفيز ما يستحق الغضب منه والمخ هو المسئول الأول والأخير في وصول الإنسان لدرجة الغضب والإشارة العصبية هنا، تستثير الحواس، والأطراف، فتجحظ العينان، وتزداد فتحتا الأنف اتساعاً، وتنكمش عضلات الوجه بأكملها، وتكشر الجبهة، ويزداد النفس عمقا، وسرعة، ويخرج اللسان عن السيطرة، وتتشنج عضلات الأطراف والصدر والقدمين استعداداً لما قد يحدث، وتدخل في تقلصات، قد تنتهي بتوجيه الضربات نحو مصدر الغضب. ونجد أن ساحة الغضب دائما ضيقة الأفق لا يشاهد فيها الإنسان الحقيقة بل تخفى عليه ,فالغضب ضد الحلم والخلق كما انه عدو للمصلحة العامة,وهو ضد الحب والائتلاف مزعج مخيف يخرج صاحبه عن الصواب والشعور والغَضَبُ لغةً: من غَضِبَ يَغْضَبُ غَضَباً، قال ابن فارس: الغين والضاد والباء أصل صحيح يدل على شدة وقوة. ويقال: إن الغَضْبة: الصخرة، ومنه اشْتُقَّ الغضب، لأنه اشتداد السُّخط. وقد أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم بعدم الغضب لأنه يضيع علمك وعملك ونفسك وخلقك ويجعلك دائما في موقف الضعف وتنهزم ممن أمامك. وهناك الكثير من الحروب النفسية التي تجعل الإنسان يغضب فينهزم ...وفي الاصطلاح: عرفه الجرجاني بأنه: تغير ينشأ عند فورة دم القلب، ليحصل عنه التشفي للصدر.ومن المعروف أن الغضب يؤدي إلى تحريك أكبر عدد من عضلات الوجه، على عكس الضحك، وهذا ما يخلف التجاعيد للوجه، في حالات تكرر الغضب، وديمومته. كما أن الوجه يكون في (أبشع حالاته الإنسانية) عند الغضب، وهذا يدعو للتفكير في مشاعر من يشاهدنا حين نغضب، خصوصاً لو كان حبيباً لنا أو طفلاً والغضب عكس الضحك فإذا قيل في الأمثال إن الضحك يطيل العمر فان الغضب يقضي على العمر وحياة الإنسان ويؤثر على أعصابه ويجلب الأمراض ويتفاوت الناس في سرعة وقوة غضبهم، وفي طرق تعبيرهم عن الغضب، وفي قدرة السيطرة على نواتجه.فالغضب ينقسم إلى درجات ثلاث: . التفريط: وهو أن يكون بارد الأعصاب، لا يشعر بالغضب كلياً، وهذا مذموم، إذا كان فيما لا يمكن السكوت عنه.أي أننا نكون كما قال صلى الله عليه وسلم كنتم امة وسطا والوسطية ناجحة في كل الاتجاهات . الإفراط: وهو أن يكون حساساً، يبالغ في شدة تفاعله، حتى يخرج عن سياسة العقل، بلا بصيرة، ولا واعز، ولا قدرة على التحكم والاختيار، فكأنه أمر حيواني غريزي وهو الغضب المدمر . الاعتدال: وهو الغضب المحمود، بأن ينتظر إشارة العقل، والمنطق، فينبعثَ حيث تجبُ الحَمِيَّةُ، وينطفئُ حيث يَحْسُنُ، وهذا ممدوح مستحسن كما قال رب العزة ...والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ...والغضب شعلة نار تهيج في ثنايا الصدر، وربما تحرق صاحبها قبل أن تحرق الآخرين. وكتم الغضب قد يؤدي إلى قتل الروح بأمراض تصيب القلب وشرايينه، وتؤدي لرفع مستوى ضغط الدم، وربما تنهك الكبد والبنكرياس، فتؤدي لارتفاع نسبة السكر في الدم، وهنالك علاقة بين الغضب المزمن والحاد، وأمراض القلب والسرطان والجلطات، والإحباط، وحتى الإصابة بالزكام بشكل متكرر، لأن الغضب يضعف جهاز المناعة.كما أن للغضب أضراراً شخصية اجتماعية، مثل مقت الأصدقاء، وشماتة الأعداء، واستهزاء الحساد والأراذل من الناس. وأتساءل هنا، من منا من يتمكن من كبح جماح غضبه؟. من منا يعترف بعد ثورة غضبه بأنه كان مخطئاً؟. من منا يخطئ نفسه في الوقت المناسب، ولا يحاول تبرير أفعاله، الناتجة عن الغضب؟. من منا لا يُحمل الذنب على الشيطان الرجيم، وكأنه هو مجرد مخلوق مسلوب الإرادة، لا يد له في السيطرة على غضبه؟. وقد ثبت بالدراسات الحديثة، أن عدم التمكن من السيطرة على الغضب، أصبحت ظاهرة تتزايد عالمياً، وتتسبب بارتفاع أعداد الأعمال الإجرامية، وتفكك الأسر، وتفتت العلاقات الإنسانية، بالإضافة إلى المشاكل الصحية الجسدية والنفسية والانفعالية والخلقية والعقلية.وقد حثت جميع الأديان والأعراف، والحِكم الإنسانية على استحسان محاولة ترك الغضب، وتطويع النفس على ذلك، أو على الأقل، عدم تركه يعيث في النفس بشكله الحيواني البدائي، وألا ندعه بالتالي يسيطر على جميع ملامحنا، وتصرفاتنا. وعلى العكس منه كان الحُلم دوماً ممدوحاً محبباً. وكثير ما يكون الغضب مستثيراً للآخرين، وربما يكون ضرراً على من لا ذنب له فيه. فقد يستثار أحد بسبب غضب شخص آخر، ويدخل هو في نوبة غضب، (كأن يرى الابن أباه غاضباً)، فيستثار، وقد يأتي بما لا نتوقعه.وسريع الغضب يجب أن لا يُحكمُ بين اثنين، ولا يُطلب منه مشورة، ولا يُعطى مسؤولية حرجة، لأن حالته ربما لا تسمح له برؤية الأشياء على طبيعتها. والتحكم بالغضب، أمر ضروري، ويجب أن يتعلمه الجميع، وأن يكونوا على قدر من الوعي، ليسيطروا على غريزتهم، ويسمحوا للعقل بالحكم على الأشياء. ولعلاج الغضب، ينصح المختصون، بتدريب النفس، على الصبر، وأخذ الأنفاس العميقة، وإغماض العينين، وتغيير الأوضاع فمن كان واقفا يجلس ومن كان واقفاً يمشي أو يخرج من غضبه بالصلاة وكذلك العد، قبل أخذ أي تصرف مضاد، نحو من يغضبنا. كما أن عمليات الاسترخاء، والمساج، وتطويع الذات، والدخول في روحانية بالتواصل مع الرب، تؤدي إلى تطويع النفس، ومنعها من التعامل مع الغضب، بحدة لا تحمد عقباها. وهذا المقال دعوة مني ومن المختصين والعلماء لمن يظهرون الغضب بكثرة، وهم يدورون بيننا في الشوارع بسياراتهم، معتقدين بأنهم أهم من الآخرين، فلا يرون أمامهم إلا حاجاتهم، ويغلطون، ويسبون، ويصرخون، ولا يراعون لياقة الطريق، ويخرجون عن أطوارهم، ويعودون إلى بيوتهم، وقد أخذ الغضب منهم وقارهم وسكينتهم. لماذا لا نكون نحن الأفضل، والأكثر صبراً، وروية فالصبر مثل اسمه في كل من الإثم لكن عواقبه أحسن من العسل.