إذا كان قيام الجامعات تعبيراً حياً على تقدم العلم ، وشاهداً تاريخياً على ازدهار النهضة، وسجلاً منشوراً لعهد مشرق حافل بالبناء فسيظل التاريخ يذكر - وبكل اعتزاز - أن (جامعة الملك عبدالعزيز ) نبتة غرستها أيدي المواطنين وفي مقدمتهم يد الفيصل العظيم في رحاب العلم ونور المعرفة حتى أضحت إحدى المعالم البارزة على طريق التقدم والارتقاء في ربوع مملكتنا العزيزة. ولقد ارتبط تاريخ هذه الجامعة في نشأتها، وتطورها، باسم جلالة الملك فيصل رحمه الله حيث احتضنها فكرة، ورعاها مشروعاً، وعضدها واقعاً، ثم باركها كياناً علمياً بارزاً. افتتح جلالته أعمال الهيئة التأسيسية لهذه الجامعة بمبادرة وطنية سامية فوجه دعوة مكتوبة باسمه الشخصي دعا فيها المواطنين إلى الاجتماع للتبرع للجامعة وتم الاجتماع مساء يوم الخميس التاسع من جمادى الآخرة 1384ه جلالته كرئيس شرف الجامعة ، وتسابق المواطنون في تلبية النداء وتباروا في التبرع بسخاء في ذلك اليوم المشهود، حتى أربت التبرعات النقدية على خمسة ملايين ريال. ومازالت كلمة الفيصل في ذلك اليوم كرجع الصدى تتردد في فم الزمن حين قال: (إن فكرة تأسيس هذه الجامعة نبتت في فكر نخبة من اخوانكم قصدوا بذلك خدمة العلم ، وأرادوا أن يثبتوا للجميع بأن في هذا البلد الكريم رجالاً يعملون وينشئون ولا يتكلمون ..إلى أن قال جلالته : (ويكفي ان نقول ان هذه المؤسسة القائمة بحول الله نبتت من الشعب وللشعب، وأرجو الله أن تكون هذه الخطوة بداية الخطوات ومنطلقاً لآمال تعتلج في الصدور والله سبحانه وتعالى هو الكفيل بتحقيقها إن شاء الله). وتوالت رعاية الفيصل للجامعة بعد ذلك لتشمل لجنة الخبراء العالميين الذين استقدمتهم الهيئة التأسيسية لوضع خطة الجامعة للمستقبل ، وتذكر هذه اللجنة في صدر تقريرها: وتسجل اللجنة على الأخص العطف والحفاوة اللذين حظيت بهما لدى صاحب الجلالة الملك الفيصل بن عبدالعزيز المعظم ، وإن أعضاء اللجنة سيذكرون دائما الزيارة التي قاموا بها إلى القصر الملكي العامر، واهتمام جلالته الواضح بشؤون التعليم وبتطوير جامعة الملك عبدالعزيز ، كيف لا وجلالته رئيس الشرف لهيئة الجامعة التأسيسية واللجنة تأمل وتتضرع إلى الله أن يمد في عمر جلالته ليكون راعي الجامعة الجديدة وسندها الجليل (كان ذلك في 6 ذي القعدة 1385ه). وخلال مسيرة الجامعة لتحقيق أهدافها قصرت مواردها المالية عن الوفاء بالتزاماتها فشملتها يد الفصيل بالتعضيد والتأييد، بتوجيه مجلس الوزراء ليصدر قراره رقم 71 في 15/2/1388 ه باعتماد اعانة سنوية للجامعة مقدارها مليون ونصف ريال. وطمأن جلالته القائمين على الجامعة بخطابه في 19/4/1388 ه: (ولن ندخر وسعاً بحول الله وقوته في معاضدة جامعتكم ، وستكون دائماً موضع رعايتنا إن شاء الله سائلين الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لما فيه عز أمتنا ورقي بلادنا. وتشهد الأيام بأن جلالته قد وضع القول موضع التنفيذ ، فسبقت رعايته وعنايته طموح الجامعة في التطور والانطلاق فأمر جلالته بضم الجامعة إلى الدولة لتأخذ مكانها في موكب النور مع زميلتيها: الجامعة الاسلامية وجامعة الرياض ، فصدر قرار مجلس الوزراء رقم 150 في 5/2/1391ه بجعلها مؤسسة تعليمية عامة، فكان ذلك التاريخ نقطة تحول في حياة الجامعة وتطورها فقد قفزت مقدراتها المالية من مليون ونصف في عامها الأول إلى 170 مليوناً ونيفاً عام 1394 - 1395ه ، وازداد عدد طلابها من 36 طالباً في عامها الأول إلى أكثر من 4000 طالب هذا العام ، وتوسعت فروعها الأكاديمية من كلية واحدة ذلك العام إلى خمس كليات هذا العام ..بالإضافة إلى كليتي الطب والهندسة اللتين ستفتحان أبوابهما مع إطلالة عام 1395 - 1396 ه بإذن الله ، وشملت فروعها كلاً من جدة ومكة المكرمة. ولقد وفق الله الجامعة تجاوبا مع أهداف الفيصل المعظم في نشر رسالة التضامن الاسلامي وبناء مجتمع يقوم على العلم والمعرفة في ظل عقيدة الاسلام إلى أن تضع سياستها التعليمية لإيجاد العالم المسلم والطبيب المسلم والمهندس المسلم والاقتصادي المسلم ، المربي المسلم ثم الأديب المسلم. وهكذا كانت جامعة الملك عبدالعزيز فكرة أرادها الله ، فاحتضنها الفيصل فأصبحت حقيقة ترمز إلى التعاون بين الشعب والدولة ..وتعبر عن تضامن الأسرة السعودية في بناء وطنها الكريم ، وبرزت للوجود في عهد الفيصل العظيم عهد العلم والضياء (جامعة) تجاوبت بسمعتها الأمم ورحبت بها الجامعات واستبشر بها أبناء هذا الوطن لتظل منارة علم أسست بتوجيهاته الحكيمة وارتفعت وعلت بقيادته العظيمة. د.محمد عبده يماني مدير جامعة الملك عبدالعزيز 16/1/1395ه