حينما نتحدث عن الاستدامة Sustainability بمفهومها العالمي الحديث والذي يرتبط بالبيئة والطاقة وبسلامة سلسلة العمليات التصنيعية والإمداد وما يتم ربطها حاليا بالبرامج الحاسوبية لإدارتها ومراقبتها؛ فإن الأنظار ستتركز حول موضوع مهم أشغل العالم بتأثيراته على البيئة وخاصة المناخ المتغير للأسوأ، في ارتفاع مخيف لحرارة الأرض كما تنقلها الدراسات العلمية والأرقام المسجلة من عقد لعقد، ويبدو أن عملية ارتفاع حرارة الأرض نتيجة انبعاث الغازات والمسماة بالاحتباس الحراري Greenhouse Emission متجهة نحو سيناريوهات تحليلية علمية متغيرة في اتجاهاتها من وقت لآخر، والتي يتأرجح اعتقاد وتفكير العلماء المختصين والمحللين في حيثيات التعامل معها ووضع الخطط الإستراتيجية التي تحد وتتصدى لاتساعها المطرد. المتتبع للوضع البيئي والمناخي العالمي؛ سيستدرك أن خطط التصدي تلك التي اندرجت في أكثر من مؤتمر ومنتدى عالمي للبيئة والطاقة والمناخ قد باتت شبه مستعصية التنفيذ بدقة لكي تحول دون استمرار تنامي ظواهر بيئية وجيولوجية جديدة وقاسية على طبيعة الأرض، والتي يُعتقد من وجهة نظر سائدة؛ أنها نتيجة ترابطية متزامنة مع تنامي الاحتباس الحراري جراء ازدياد غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي تحديدا، والذي يمثل حاليا 400 جزء في المليون ويتوقع أن يصل إلى 1000 جزء في المليون عام 2100 أو أكثر كما يشير إليه الفريق الحكومي الدولي لتغير المناخ Intergovernmental Panel on Climate Change (IPCC) تزامنا مع ما ستحدثه الغازات الأخرى الكامنة والتي يمكن أن تساهم وتشكل خطرا أكثر وقعا على المناخ لو انطلقت، وستؤثر تأثيرا أعمق في ارتفاع مستوى المياه على الأرض نتيجة ذوبان جليد القطبين على نطاق أكثر تسارعا، وهو مضمون ما نركز عليه دائما في تحليلاتنا التي يُنظر لها عالميا بالاتجاه الأشد قبولا في الأوساط العلمية، بينما يرى ويعتقد آخرون من العلماء “وهو أقل قبولا” أن التغيرات المناخية هي نواتج طبيعية تتمثل في دورات كونية متتالية تحدث من عصر إلى عصر وليس للإنسان ذلك التأثير المباشر القوي في عملية التغيير البيئي. ويمكن تبرير ما يحدث من قصور في عملية نجاح الاستراتيجيات التي أشرنا إليها مسبقا وبشكل مبسط من ناحية الاتجاه الفهمي الغالب، والتي التزمت بها ووقعت على بروتوكولاتها بعض من الدول الصناعية كالأوروبية عدا أكبر نافثي الغازات في العالم الصين وأمريكا على سبيل المثال، ان ضبابية أو غياب القدرة الكاملة والتمكن من تنفيذ الخطط والجداول الموضوعة بحذافيرها تماما، من خلال ما تحدثه الطبيعة من استنزاف وإرباك للكثير من السياسات والتنبؤات الحدسية، يعتبر عائقا وجدارا صامدا ضد بلوغ الأهداف المجدولة زمنيا، والمعززة بكثير من الاستثمارات الكبيرة، بل ويتخطى مضمون معتقد وتوجه بعض من منظريها في القضايا البيئية إلى قضايا أخرى كامنة تحكمها التذبذبات السياسية والاقتصادية المتتالية والاستهلاكية الهائلة من الطاقة، في احتراق مصادرها الأحفورية التقليدية بشراهة دون المتجددة التي يُنظر إليها بالبديلة في ضخ الاستثمارات الكبيرة فيها تباعا، في توجه استراتيجي مقصود للحد من ارتفاع التكاليف والأسعار في الطاقة الأحفورية ومن هيمنة الدول المنتجة لها كما يعتقدون، لكن البديلة والمتجددة تظل متأرجحة في بلوغ مرامها واعتلائها عرش الطاقة في وقت قريب وحتى بعيد لعقود قادمة نتيجة الامتداد السكاني والصناعي الهائل ومتطلباته، وفي بطء خروج نتائج قوية للأبحاث التطويرية فيها، مضافا إلى التراجع في الاستثمار في الطاقة النووية جراء ما أحدثه مفاعل فوكوشيما في اليابان من خوف بعد تصدعه من التسونامي الأخير، وحتى من قبل هذه الكارثة في توجه احترازي من بعض الدول في الانسحاب المجدول لإغلاق ما لديها من مفاعلات كألمانيا. وبغض النظر عن التفاوت في المعتقد في عملية الاحتباس الحراري، إلا أن الأوضاع البيئية أخذت تُحدث وقعا خطيرا صحيا على الحياة البشرية وبالتأكيد في اختلال طبيعة الكائنات الحية وانحسارها وانقراض جزء منها، بل هناك خوف قادم من عدم توجه الأنظار إلى ما سوف تضيفه الغازات الأخرى الكامنة والمحصورة المتجمدة منها، والتي تعتبر سيناريو منسياً أو مهملاً بما يخص الوضع البيئي والصحي، وهي هيدرات الميثان الموجودة في مستودعات هائلة أسفل حواف القارات في محيطات العالم وغيرها في المستنقعات وكربون الجليد المنحصر منذ العصور الجليدية الذي سينطلق بشراهة مع الذوبان من حيث توقع انحسار الجليد من 29% إلى 59 % عام 2200 في دراسة حديثة نشرت في NSIDC المركز الوطني لبيانات الثلج والجليد بداية عام 2011. وللتوضيح؛ يعد استهلاك الطاقة الشره السبب الرئيس في عملية تبلور وتسارع درجات الاحتباس كما ترصده الدراسات الاستقصائية المستفيضة من خلال المراكز البحثية المتخصصة، والمبنية على بيانات موثقة من جهة وتقديرات علمية تحليلية بمرور الزمن وعبر حقب قديمة وعقود مضت ليست ببعيدة من جهة أخرى، كان الاحتباس فيها رهينا تحت سيطرة العالم البسيط في حينه وعذوبة أهله، إلى أن تحرر مندفعا بقوة وبقسوة، شاقا طريقه مع انشقاق العالم المتحضر واستئساد مرتاديه ومعاونيه من البشر في السنوات الأخيرة. وبما أن الاتجاهات والدعوات لحماية الأرض ومن عليها تتمحور كثيرا في التشديد على مباديء الاستدامة ومدى قوة الالتزام بها، فإنه من الضروري الالتفاف وبجدية متناهية نحو الالتزام بتلك المباديء قبل فوات الأوان، والتوعية وبشكل علني على خطورة ما ستحدثه الحرارة المرتفعة على الحياة من جراء قلة الوعي البشري في عملية الحفاظ على البيئة، تزامنا مع تشجيع الدخول أكثر فأكثر في بدائل الطاقة الاحفورية كالشمسية والعضوية والرياح والأمواج والشبكات الذكية والسيارات الكهربائية التي تتجه إليها الأبحاث العلمية وتحاول أن تخرج بنتائج سريعة محرزة ذات تأثير نسبي أكبر في الاستهلاك مما هي عليه حاليا مقابل الطاقة الاحفورية.