للعمل بعد الانقطاع طعم رائع يشبه الرواء بعد العطش ؛ فمن درج على حب العمل لا يجد متعة الحياة إلا فيه ومعه ؛ وكم من عامل سلبه حب عمله كيانه وتفكيره من بيته وأهله ومجتمعه ؛ فهو يقضي جُل وقته فيه فتمضي الدقائق وتمضي الساعات دون أن يشعر . يقول روبرت كيلي الكاتب الأمريكي والاستشاري الإداري الشهير إن سر تميز العامل لا يكمن في نوع المهارات التي يمتلكها ؛ ولكن في نمط وطريقة استخدامه واستثماره لهذه المهارات أثناء قيامه بالمهام الموكلة له في عمله ؛ فسائر الناس يولدون بمهارات كامنة قد تظهر وقد لا تظهر ؛ والمهم هو التفعيل والاستخدام لا التجاهل والخمول . ويشير مفهوم التميز في منظمات الإدارة الحديثة إلى محورين هامين لا يمكن إغفالهما ؛ أولهما يتجسد في مفهوم التميز لدى العامل ذاته والذي ينبغي أن يتشكل في انجاز نتائج غير مسبوقة تخدم الأهداف القريبة والبعيدة للمؤسسة ويتغلب بها على منافسيه في الأداء وذلك من منطلق يخضع لتحكيم العلم والجودة لا القوة والغلبة . أما ثانيهما فيعتمد على ما يصدر عن الإدارة من أعمال وقرارات وما تعتمده من نظم وفعاليات تتسم في حقيقتها بالجودة الفائقة والكاملة والتي تضمن بقدر الإمكان الأداء الصحيح المتقن من المرة الأولى ( Doing right things right the first time ) . والبعدان متكاملان ويعتبران وجهين لعملة واحدة ؛ ولا يتحقق أحدهما دون أن يتحقق الآخر ؛ كما أنهما يعتمدان اعتمادا كليا وتاما على استثمار الرصيد المعرفي من التعلم المباشر أو التجارب والخبرات , ومثل هذا الرصيد الذي يمتاز بالجدة والاستمرارية ويعمل على تيسير تحقيق الانجاز الإبداعي وتطبيق المعرفة النظرية بصورة متكررة ودقيقة على أرض الواقع . ويمكن التأكيد على أن مفهوم التميز هو المفهوم الوحيد الذي ينبغي أن تتبناه المؤسسات بمختلف التخصصات في هذا العصر الذي سادت فيه التقنية وقوة العلم والمعرفة , فالعمل الكلاسيكي الروتيني في ضوء هذه المتغيرات العالمية هو عمل عقيم لا يأتي بالمنفعة المرجوة على بيئة العمل , وذلك بعكس العمل المتجدد والمتطور والذي يضع راحة العامل في الاعتبار الأول ثم خدمة العملاء وفق أهداف المؤسسة . ولقد أثبتت العديد من البحوث والدراسات النفسية والإدارية أن الإنجاز المهني الإبداعي مرتبط بحب المهنة والقدرة على أدائها , فالرضا عن العمل والرغبة في القيام به والدافع لانجاز أهدافه عن اقتناع وحب هو أول خطوات التميز , غير أن الاستعداد النفسي والبدني ؛ والتطوير والتدريب ؛ والقراءة والإطلاع المستمر ؛ كل ذلك له دوره الذي لا يمكن الاستهانة به أو تجاهله . و يبقى لنا أن نقول إن نوعية الإنتاج هي السمة المميزة لصاحبها , فيها تتضح معالم عشقه لعمله ومهنته , وبها يمكن أن نستدل على عقله وطموحه وشخصيته , وكما قيل منذ زمن فانجاز المرء واختياره قطعة لا تنفصل عن عقله وتدل على فضيلته وفضله .