مضت الساعات قبل أن تمضي الأيام معلنة تواليها من غرة شهر بدأ ففرحنا بقدومه إلى عشر مضت منه رحمة فعشر توسطته لندخل بعدها عشراً أخيرة لا نعلم ما إذا كنا حاضرين لها ومستعدين بقدومها العام القادم أم أن الأجل سيحل بنا ونغادر دار الفناء إلى دار البقاء . ومضى الذي أهوى وجرعني الأسى *** وعدت بقلبي جذوةٌ وسعيرُ لقد مضى شهر الرحمة والغفران والعتق من النيران مضى شهر الفضل الكبير على الإنسان بروحانيته وعطاياه وهباته الربانيه التي جمعت على المحبة والصفاء وساوت بين فقير يبحث عن قوت يومه مع غني في الصوم والإفطار لا يفترقان إلا بالأعمال . انه الشهر الذي ينقي النفوس من الذنوب والمعاصي ويدعو لزيادة التآلف والمودة فتكثر فيه الصدقات وتخرج الزكاة قبل أن يفرح الجميع بعيدهم . انه شهر تطهر فيه الأبدان وتنمي فيه الأموال وتزداد في الخيرات قال عنه أمير الشعراء احمد شوقى “ الصوم حرمان مشروع ، وتأديب بالجوع ، وخشوع لله وخضوع . لكل فريضة حكمة . وهذا الحكم ظاهره العذاب وباطنه الرحمة ،يستثير الشفقة ويحض على الصدقة ، ويكسر الكبر ، ويعلم الصبر ، ويسن خلال البر ، حتى إذا جاع من ألف الشبع ، وحرم المترف أسباب المتع عرف الحرمان كيف يقع ، وألم الجوع إذا لذع “ . وان كان الصوم في رمضان يشكل ركنا من أركان الإسلام فان له فوائد صحية أشار إليها البعيدون عن الإسلام قبل المسلمين إذ قال القسيس كاريل الحائز على جائزة نوبل في الطب في كتابه (الإنسان ذلك المجهول): “ إن كثرة وجبات الطعام ووفرتها تعطل وظيفة أدت دورا عظيما في بقاء الأجناس الحيوانية وهي وظيفة التكيف على قلة الطعام ولذلك كان الناس يصومون على مر العصور ، وان الأديان كافة لا تفتأ تدعو الناس إلى وجوب الصيام والحرمان من الطعام لفترات محدودة إذ يحدث في أول الأمر شعور بالجوع ويحدث أحيانا تهيج عصبي ثم يعقب ذلك شعور بالضعف ، بيد أنه يحدث إلى جانب ذلك ظواهر خفية أهم بكثير فان سكر الكبد يتحرك ويتحرك معه أيضا الدهن المخزون تحت الجلد ، وتضحى جميع الأعضاء بمادتها الخاصة من أجل الإبقاء على كمال الوسط الداخلي وسلامة القلب ، وان الصوم لينظف ويبدل انسجتنا “ . وعلينا اليوم ونحن نودع رمضان أن نتذكر كلماته وعذوبة بلاغته وروحانيته وأن نفرح بقدومه ونحزن لفراقه حتى وان لبسنا من الثياب جديدها . فالقلبَ يحزن والعينَ تدمع لفراقك يا رمضان .