لن تتخلى المملكة أبداً عن دورها العربي فذلك قدرها ومصيرها فضلاً عن ارتباطه الوثيق بمصلحتها الوطنية في كل الأزمات الطارئة والممتدة تتحمل المملكة عبء القيادة بكل تبعاته حتى لو كلفها ذلك الكثير من العناء والجهد هي في غنى عنه لتصرفه في حل مشاكلها الوطنية على أرض المملكة. والدور العربي للمملكة الذي لمسناه في تعاملها مع أزمات البحرين واليمن ومصر وسوريا ليس ثوباً ترتديه وتخلعه متى تشاء وانما هو حتمية فرضته ظروف المكان والتاريخ والحضارة، كما انه ضرورة استراتيجية لكي تحقق اهدافها الوطنية على مستوى امنها الوطني بمفهومه الواسع ورغم وطأة التحديات والعقبات التي اعترضت الدور العربي للمملكة فإن التوجه السعودي ظل مقوماً رئيسياً في سياستها عربياً وخليجياً واقليمياً وعالمياً وبحكم الرغبة الطويلة فقد استطاعت المملكة ان تبقى.. للتوجه السعودي عموماً في المنطقة العربية روحه الصافية وأهدافه النبيلة وان تحفظ له حده الادنى، ان لم تتح الظروف الوصول به الى حده الأعلى او الذي يرضى عنه الرأي العام العربي، فكانت صاحبة العقل عندما تضيع الحكمة، والمدافع عن الحق عندما يسود الظلم، والقوة الجامحة عندما ينقسم العرب ويتشتتون. وبرغم كل ما يرتبط بالازمة السورية القائمة حالياً وحالة الانقسام وعدم الاستقرار التي تسبب فيها النظام السوري الحاكم واصراره على المراوغة ان لم يكن الوقوف في الطريق المعاكس لاغلبية النظم العربية فإن المملكة حرصت على بقاء سوريا كدولة وعلى شعب سوريا كرافد مهم للأمة العربية، رفضت التدخل الأجنبي وحذرت من معاناة الشعب السوري مطالبة بوضع حد لهذه المعاناة، وبينما رفضت سياسات النظام السوري فانها ترفض التدخل الخارجي. ولذلك لم ولن تنقطع رسائل خادم الحرمين الشريفين التي وجهها للرئيس السوري حدث ذلك من مناشدة دول مجلس التعاون الخليجي وبعدها الجامعة العربية وفي هذه الرسائل كانت المملكة تحث القيادة السورية على التجاوب مع الجهود السياسية والدبلوماسية لكي تثبت مصداقيتها فعلاً امام المجتمع الدولي. انه قدر المملكة ودرورها يعكسه الجهد الجبار الذي يقوم به وباقتدار الملك عبدالله حيث اصبحت الرياض خلية نحل حيث لم تهدأ الحركة ولم تتوقف الزيارات، وكل القادمين من السياسيين الخليجيين والعرب والاجانب يبحثون عن نصيحة او رؤية للازمة السورية واليمنية وغيرها من الأزمات العربية. واذا قلنا والقول صحيح بأن هذا هو قدر المملكة وهذا هو دورها، فان من الضروري ان نقول ايضاً انه لم يسبق للمملكة على طول تاريخها ان واجهت هذا الكم من التحديات دفعة واحدة. والحقيقة ان المملكة لا تستطيع ان تعزل نفسها عن اي صراع اقليمي خصوصاً ان الامتدادات الاقليمية للمملكة اكبر من ان تقاس على انها امتداد عربي فقط، لأن المملكة التي تحتضن في جنباتها الاراضي المقدسة مكةالمكرمة والمدينة المنورة هي المملكة التي ينظر اليها المسلمون في كل بقاع العالم في صلواتهم واداء عمرتهم وحجهم. ولان المملكة لم يغب عنها الادراك الصحيح ان مصلحة الامة العربية فوق كل اعتبار فانها تبدو اكثر إرادة لمهمة الحفاظ على استقرار سوريا وشعبها وهي مهمة لابد ان يكون محورها محور الدور السعودي الاساسي. والمملكة عندما تفعل ذلك فانها تضع في اعتبارها اولاً اعطاء الفرصة لان يكون الحل عربياً للازمة السورية، لتجنب التدخل الخارجي وقوى مجلس الأمن. وفي تاريخ المملكة البعيد والقريب كان التوجه الى استخدام الدبلوماسية لانها هي الحل في الاسلام، فالنشاط الدبلوماسي السعودي الذي يتم في اطار الازمات العربية الحالية فاسلوبها في التعامل مع هذه الازمات الخانقة للمجتمع العربي كله يتسم دائماً بالحذر والحيطة، اللياقة والكياسة، القدرة على التخلص من المزالق والمزانق مع ايجاد الحلول البارعة في الوصول الى الهدف دون استثارة حفيظة الطرف الاخر وغيرها من مقومات يتسم بها الدبلوماسي السعودي. لذلك فان الدور السعودي الدبلوماسي يتجه الى التأكيد بأن الدبلوماسية التي تمارسها عند ممارسة علاقاتها ووساطاتها في حل الازمات وخاصة العربية انما هي نظم وقواعد اتبعتها الدولة الاسلامية منذ ان اتخذها النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة اسلوباً لنشر الدعوة الاسلامية بل سبيلاً الى تأليف القلوب ودستوراً في المعاملات والعلاقات، وقد تجسد ذلك في امور كثيرة منها ما حدث بعد هزيمة المسلمين في (أحد) والشعور بدقة حرج موقف المسلمين في شبه الجزيرة العربية، لذلك كان حرصه صلى الله عليه وسلم على أن يقف من أخبار العرب جميعاً، بما يمكنه من استعادة مكانة المسلمين وهيبتهم ان سلماً أو حرباً. وقد انتظم هذا الاسلوب الذي ارساه النبي صلى الله عليه وسلم في العلاقات الخارجية السعودية اصول ثابتة ، قواعد محددة، فكانت المنهاج القويم الذي تتبعه في معالجة الازمات العربية اليمنية والسورية والبحرينية، فكانت رسالة المملكة هي ان الحل الدبلوماسي بديلاً للتدمير واستخدام القوة في معالجة ازمات هذه الدول مع مواطنيها، ولعل قولة مؤسس الدولة الاموية (معاوية بن ابي سفيان) : لو كان بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت اذا شدوها ارخيتها، واذا ارخوها شددتها، تجسد معنى الدبلوماسية بأعظم صورها في فكر صانع القرار السعودي. ولهذا ولغيره نقول ان دور المملكة في معالجة وحل الازمات العربية قدر ومصير فانما نؤكد ان الاسلام دين سلام قبل كل شيء، والمملكة عندما تفعل ذلك فانها تضع في اعتبارها اولاً: ان ابادة الشعب السوري او اليمني أو البحريني تعني ان ضلعاً اساسياً من النظام العربي قد سقط بكل ما يمثله ذلك من زيادة الخلل في التوازن الاقليمي، ثانياً : ان المنطقة العربية كلها مهددة بالتهميش في ظل ازدياد ضغوط النظام العالمي وهي في اشد الحاجة لتجميع قواها لا الى تفتيتها لمواجهة هذا الضغط. ثالثاً : ان التصعيد في استخدام القوة سيخرج سوريا واليمن وليبيا عن هدفهم الرئيسي وهو الارتفاع بمستوى معيشة شعوبها، واهدار سوريا هو حرمان للمنطقة العربية من مصدر قوة اقتصادية مهمة. وكل هذه لن تعمل لمصلحة المملكة في نهاية المطاف لذلك فجهود المملكة لن تتوقف في المنطقة وللوفاء بمسؤوليتها تجاه الرأي العام العربي، ويتبقى ان يحتكم النظام السوري لارادة وروح الاسلام لذلك فإن الايام المقبلة سوف تؤكد ان المملكة ليست وفية فقط لمواصلة دورها المحوري كعامل موحد لامتها العربية وانما سوف تنشط دورها المصيري والقدري كرائد في توحيد العرب وضرب محاولات الانقسام لان العقل والحكمة هما ملامحها في دورها العربي.