اجمع عاملون في الحقل الدعوي على أهمية انعقاد المؤتمر العالمي للحوار الاسلامي في خضم الظروف الراهنة ، لما يجتاح دول العالم من أزمات وفتن وحروب ، مؤكدين ان الجلوس على مائدة الحوار وسيلة فاعلة لإخماد بؤر الصراع التي لعبت قوى التطرف والتشدد والارهاب دوراً غير خاف في تأجيجها لاثارة الكراهية والبغض ، وجاءت دعوة خادم الحرمين الشريفين للمؤتمر العالمي للحوار ، والذي ستنطلق فعالياته يوم الاربعاء المقبل بمكةالمكرمة بجوار البيت العتيق لتشكل دفعة قوية لدعوات السلام والتعايش السلمي . وأوضح الدعاة ان الحوار على هذا النحو الراقي ، ومن أجل الهدف السامي، ضرورة من الضرورات التي تقتضيها المصلحة لضمان سير الحياة على خطوط سوية تفرضها تعاليم الدين الاسلامي الحنيف ، الداعية إلى حماية البشرية من الفساد والتخبط ، لنثبت للعالم قاطبة امكانية أمتنا وأهليتها للإسهام في صياغة حضارة انسانية تسود فيها قيم الخير والحق والفضيلة والتسامح والتعاون ومبادىء السلم. أسلوب راقٍ للإقناع في هذا السياق أكد الشيخ أحمد بن قاسم الغامدي مدير عام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة مكةالمكرمة ان الحوار باب لبيان الحق وتثبيته وسماع ما عند الآخر والتأمل فيه ، لأنه أسلوب راق للاقناع والبيان ، تعارف على قبوله أصحاب العقول الراجحة ، والأفكار النيرة مشيراً إلى ان الحوار يحمل بين طياته الدعوة إلى الحق والفضيلة ، ويحث على الاستماع لما يحمله المحاور من قيم وثوابت وأخلاق، وهو فوق ذلك آلية مثلى لاستجلاء الحقائق ، ووسيلة لتنمية العلاقات السلمية والصداقة بين الشعوب ، و طريق لنشر المعارف وحفز المواهب واثراء الثقافات. ومضى الغامدي بقوله: ان القرآن الكريم حافل بالنصوص التي تدعو إلى الحوار في مختلف صوره والحوار منهج قديم ، من لوازم البشرية لأنه أمر يتعاطاه الناس في حياتهم اليومية حين يتحدثون وحين يكتبون، بل ان هناك حواراً داخلياً بين المرء ونفسه. وأضاف: أما الحوار مع اتباع الرسالات فنحن مأمورون به لأنه دعوة إلى الحق ، وهو من لوازم البلاغ ..والأمة الاسلامية تواجه اليوم موجات من الفساد والاباحية ، ونحن معرضون لهذه الموجات شئنا أم ابينا ، فكان لابد من المبادرة إلى الحوار مع من يشاركنا الحياة على هذه الأرض، ويتعرض مثلنا لتلك الموجهات العاتية. واستطرد : البشرية بحاجة إلى من يهديها ، وينقذها من الضلال ويحميها من موجات الفساد، لذلك كان لزاماً أن تعرض للعالم ما يدعو إليه ديننا من هداية للبشرية وعرض للقيم التي تقرها الفطرة التي فطر عليها الناس. حصانة ضد المخاطر وقال الغامدي: إن المؤتمر بادرة كريمة، نأمل ان تناقش فيها كافة القضايا التي تؤرق البشر كالعلاقة بين الجنسين وحقوق الانسان، والاخلاق الاجتماعية ..إن الحوار على هذا النحو الراقي ، ومن أجل هذا الهدف السامي ، ضرورة من الضرورات التي يقتضيها انتظام سير الحياة على خطوط سوية ، وتفرضها طبيعة العمران البشري، فالحوار حركة مطردة، وقوة دافعة للنشاط الانساني، وطاقة للابداع في شتى مجالات الحياة ، ووسيلة للنهوض بالمجتمعات ، وهو سبيل إلى تحصين الشعوب والأمم ضد المخاطر التي تتهددها من جراء تصاعد الخلافات المتشعبة ، سواء حول قضايا العقيدة والفكر والثقافة والحضارة واللغة، أو القضايا التي ترتبط بشؤون السياسة والاقتصاد والتجارة والأمن والحرب والسلم . وأكد الغامدي أن اللجوء إلى الحوار عوضاً عن الصدام ، هو في حد ذاته تعبير عن نضج فكري ووعي حضاري ، وتصميم على البحث عن أقوام السبل لتجنب الخسائر ، وتفادي المخاطر ، والتغلب على المشكلات ، ومعالجة الازمات أو ادارتها بعقل متفتح ، وبضمير حي ، فهذا المؤتمر دعوة إلى الانفتاح على آفاق العصرعلى امتدادها والدخول في حوارات جدية وهادفة مع دوائر عديدة وعلى مستويات متنوعة ، ليثبت للعالم كله امكانية امتنا وأهليتها للاسهام في صياغة حضارة انسانية تسود فيها قيم الخير والحق والفضيلة والتسامح والتعاون ومبادىء السلم والأمان. رفض الصراع ويرى الدكتور عبدالله اللحيدان وكيل وزارة الشؤون الاسلامية والأوقاف والدعوة والارشاد ان الحوار أصل في الدين الاسلامي للتعايش والتفاهم والاتفاق ، ومن هذا المنطلق ينبغي تفعيل أدوات الحوار لعرض سماحة هذا الدين الذي جاء رحمة للعالمين ، واظهار شموليته ومنهاجه القويم الداعي إلى نبذ التفرقة واضفاء النظرة التفاؤلية على الحياة بعيداً عن التشاؤم. واستطرد : الديانات ليس بينها حوارات وصدام الحضارات مصطلح ظهر إلى السطح في الثمانينات الميلادية قوبل بالرفض لعدم استناده على حقائق ثابتة، بل هو مجرد توجه نادى به بعض الاشخاص جوبهوا بالنقد الصارخ والمعارضة والرفض ، وعلى خلفية احداث الحادي عشر من سبتمبر اشتد العداء على الاسلام وحاول دعاة هذه الحملة استثمار الحادثة لترويج المزاعم الكاذبة على نطاق واسع من أجل اشانة سمعة الاسلام الذي يناصبونه العداء غير ان الحقائق الدامغة اثبتت خلاف ما ذهبوا إليه من مزاعم سرعان ما افتضح أمرها. وقال : لابد من ايجاد وسائل من شأنها ازالة بؤر التوتر والخلافات في عالمنا اليوم ، لدينا العديد من الجهات المؤهلة للقيام بهذا الدور خير قيام فمنظمة المؤتمر الاسلامي، وهي منظمة رسمية تضم 57 دولة مؤهلة للقيام بدور ريادي ، وكذلك رابطة العالم الاسلامي، وهناك أيضاً مؤسسات ومراكز وجمعيات اسلامية كفيلة بإيجاد آليات عمل واضحة ودقيقة تضمن نجاح هذا الحوار واستمراريته لإرساء دعائم التعايش السلمي. الالتزام بالقيم المثلى وقال الشيخ محمد بن معتوق ان انعقاد الحوار الاسلامي العالمي في مكةالمكرمة ومهبط الوحي يأتي انطلاقاً من حرص خادم الحرمين الشريفين على وضع حد للمخاطر التي تنال من السلم والأمن الدوليين ومن الانحرافات التي قادت إلى التفكك في نظام الأسرة لدى بعض المجتمعات وإلى تدني الالتزام الخلقي وضعف القيم والمبادىء في الأخلاق . وأردف: لقد سعت كثير من الجهات إلى محاولة الايقاع وتأجيج الفتن واختلاف المشاكل بين الأديان وبين الحضارات المتنوعة عن طريق انتهاك الحرمات والمقدسات التي تؤمن بها شعوب تلك الأديان والمذاهب وكذلك عن طريق انتهاك الحرمات والمقدسات التي تؤمن بها شعوب تلك الأديان والمذاهب وكذلك عن طريق الاساءات لهذه المعتقدات والمقدسات وعن طريق محاولة دس كل ما يؤدي إلى الافساد وايقاع الفتن بينها. دعوة للسلم والتعايش من جهته ثمن رئيس قسم الفقه والأصول بالجامعة الاسلامية العالمية بماليزيا الدكتور ابراهيم محمد زين رعاية خادم الحرمين الشريفين للمؤتمر الاسلامي العالمي للحوار في مكةالمكرمة وقيام الرابطة بتنظيمه معتبراً ان الحوار يفتح المجال واسعاً للتعريف بالاسلام ومبادئه وبالمبادىء الانسانية التي جاءت بها رسالته البشرية وفي مقدمتها مبادىء السلام والأمن والتعايش السلمي والتعاون بين الشعوب والأمم فيما يصلح حال الانسانية جمعاء. ويؤكد زين أن المؤتمر في حقيقته يوضح الصور المغلوطة عن الاسلام من خلال معرفة الآخر وما لديه مع الوقوف على تصوراته حول الاسلام ويضيف رئيس قسم الفقه والأصول بالجامعة الاسلامية العالمية بماليزيا أن دعوة غير المسلمين واجبة ومن الأهداف المرسومة لهذا الحوار هي دعوة غير المسلمين للتعاون وفق المبادىء التي نزلت بها رسالات الله تعالى من أجل حل مشكلات البشرية ومحاربة الفساد ونشر الأمن والسلام. تخصيص مراكز للحوار وأكد الدكتور محمود أحمد غازي وزير الأوقاف الباكستاني الأسبق وعضو هيئة التدريس بالجامعة الاسلامية العالمية بباكستان على الاحتياج الحقيقي في هذا العصر للحوار والتحاور مع أتباع المذاهب والملل الأخرى، مشيراً إلى أن حالة العالم الاسلامي، أكيده إلى حوار مستمر بين الحضارات ليس فقط بين اتباع الأديان بل بين الحضارات الأخرى. وأضاف د. غازي: يتبين من الواقع المعاش أن هناك حاجة حقيقية للتفاهم بين الشعوب وبين الملك والأمم ويجب تخصيص مراكز للحوار بين اتباع الأديان والمذاهب وأثنى غازي على ما قامت به رابطة العالم الاسلامي من جهود جبارة على اقامة الحوار الاسلامي مع أتباع الأديان والمذاهب والملك برعاية خادم الحرمين الشريفين ودعوة كبار النبخ في العالم الاسلامي من دعاة ومفكرين في العالم والأقليات الاسلامية . رؤية ثاقبة وقال الشيخ أبو مشهور إن توقيت انعقاد المؤتمر كان بلا شك مناسبا في زمانه ومكانه فمكةالمكرمة أطهر بقعة على وجه الأرض والتحديات المعاصرة في هذا الزمن وقيام الفتن ووجود اختلافات بين المذاهب والحضارات تحتم المسارعة إلى تفعيل الحوار العالمي وهو ما جعل خادم الحرمين الشريفين ينظر إليه بعين مدركة للحقائق واستشرافه للمستقبل المؤمل والتفهام والحوار احقاقاً للأهداف السامية التي فطن إليها بحنكته ورؤيته الثاقبة. وأضاف أن الحوار مبدأ شرعي أصيل دلت عليه الآيات الكريمة في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة من هدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، والحوار له تجاربه الموثقة عبر التاريخ الحضاري للأمم والشعوب. الداعية الشيخ إبراهيم علي قال ان دعوة خادم الحرمين الشريفين للحوار تذكير للمسلمين بأن الدعوة للحوار مع أتباع الأديان الأخرى هو مبدأ كتابهم الكريم فيقول الله تعالى في محكم التنزيل (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضا أرباباً من دون الله ....) . ومن هنا فإن القرآن الكريم على نهج هذا الحوار فيقول سبحانه (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن).. وكذلك منهج الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذي لم يعلن الحرب عندما لم ينجح حواره مع نصارى نجران فكان الدعاء إلى الله تعالى أن يعاقب الطرف الآخر.