| مشكلتنا في هذا الزمن المتعب المليء بالدسائس والفتن والصراعات البشرية تكمن في ابتعادنا عن المنهج التربوي الذي خطته الشريعة الإسلامية، وعدم الالتزام بما أمرنا به، وما نهينا عنه. ولعل أهم ركيزة في البناء الاجتماعي التمسك بمكارم الأخلاق قولاً وعملاً، وترويض النفس على حب الخير، والشفقة بمن يستحقها والابتعاد عن الغرور. - ومن المؤسف أن نجد بعض من اغتر بعلمه وسخره للوجاهة الثقافية أو الاجتماعية دون أن يكون له نصيب من العمل بما يقول ويدعو إليه، فظاهره يخالف باطنه..وقيمه الأخلاقية التي ينادي بها، تختلف عماً يكتنزه جوفه من حقد وحسد وغل على الآخرين ، وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرحمة بالناس، وتنقية صدورنا من الحقد والحسد، وتقوى الله عز وجل في السر والعلانية.. || لنقرأ هذه القصة البليغة التي وردت في الحديث الشريف التالي: (عن الزهري ، عن أنس بن مالك ، قال: كنا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: (يطلع عليكم الآن من هذا الفج رجلٌ من أهل الجنة) قال: فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه، قد علق نعليه في يده الشمال ، فسلم ..فلما كان الغد ،قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى ، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضاً، فطلع ذلك الرجل على مثل حالته الأولى ، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبدالله بن عمرو بن العاص، فقال: إني لاحَيْتُ أبي، فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثاً، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي الثلاث فعلت، فقال: نعم ..قال أنس : فكان عبدالله يحدث أنه بات معه ثلاث ليال ، فلم يره من يقوم الليل شيئاً، غير أنه إذا تعار وانقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبر حتى يقوم إلى صلاة الفجر ، قال عبدالله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً، فلما مضت الثلاث، وكدت أن أحتقر عمله، قلت : ياعبدالله ! إنه لم يكن بيني وبين والدي غضب ولا هجرة ، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ثلاث مرات: (يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلعت الثلاث مرات، فأردت أن آوي إليك فأنظر ما عملك فأقتدي بك، فلم أرك تعمل كبير عمل؛ فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. قال: ماهو إلا ما رأيت، قال: فانصرفت عنه، فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت ؛ غير أني لا أحمل في نفسي على أحد من المسلمين غشاً، ولا أحسده على ما أعطاه الله إياه ، فقال عبدالله : هذه التي بلغتك ، وهي التي لا نطيق) انتهى الحديث. وبعد: أرأيتم كيف وصل ذلك الرجل إلى الدرجة العالية التي نال بها الجنة؟! وهل تكون لنا رغبة أكيدة في التمسك بمكارم الأخلاق «قولاً وعملاً» لنفوز برضى الله تعالى ورحمته . أسأل الله تعالى أن يلهمنا الرشد والصواب ، ويجعلنا من عباده الصالحين.