اتصل بي مؤخراً عدد من محبي الشعر يسألونني عما قيل من التآبين في فقيد الشعر علي النعمي وماذا قلت حول الموضوع، وهؤلاء المتسائلون اعرف بعضهم جيداً واقدر طلبه مثل الاخ العزيز غازي احمد بدوي ومنصور العرفج وذياب بن جري القحطاني واحمد العقيلي وغيرهم وعندما اخبرتهم بما قيل حول الموضوع وانه قد يكون من القلة بالنسبة لحضور موهبة ذلك الشخص طيلة العقود الفارطة.. قالوا حسنا اين نجد ما كتبته. قلت ادخلوا الانترنت وخاصة موقع جريدة الندوة او حتى وضع اسمي شخصيا وستجدون جل ما ذكرته.. قالوا لا تعتذر بل من حقنا ان تبعثها الينا.. والاشكال في مثل هذا الموقف او ما شابهه ان الانسان احياناً قد لا يتمكن من الوفاء في حينه اما لفقدان المادة او حتى لانزوائها في مكان قد لا يستطاع الحصول عليها مباشرة. على العموم اقول : لقد تفاجأت الساحة الشعرية الاصيلة بوفاة أحد الأصوات الاصيلة بوحا ومناطا انه الشاعر علي بن احمد النعمي شاغر الغور والجبل ذلك الرجل الصافي والحاد في وجده وحنينه، في فورته وهدوئه.. ما عرفته عن كثب لكنني عرفت شاعريته وبراغمية الاشياء التي تتفلت من وهج الطبيعة التي عاشها كل عمره.. اما اول ما لفتني فيه فكان مبكرا وذلك حوالي سنة 1393ه وهذا اول عهدي بمنطقة الرياض وكنت مع رفاقي شويبا آت من السروات من جنوب الجزيرة اغرزم الشعر واتعرف على الصحافة انذاك في شارع المرقب الى الشرق من أسواق البطحاء وسط مدينة الرياض ولا انسى فراهة ما يتركه نظمه في البعض من النضوج والتمكن من سلامة السياق لانني والأتراب لا نزال نقدم ونؤخر ولكونه كان مزاجيا فحضوره لم يكن متقارباً او انه يأتي احياناً في وقت لم نكن متواجدين فيه .. أتذكر تلكم الأيام فتنهال على الحضور ارتال من السحنات والألوان التي قد تكون فقدت عند البعض، ولعل شاعرنا النعمي قد اشار الى بعض من تلكم التذكرات في احدى قصائده المتأخرة حيث ذكر الكل بحميمية التوجه ورفقاء المسيرة كما عدد ما استطاع من ذكر للاسماء التي مهدت للرحلة وازاحت كثيرا من البواهت والحق يقال انها احدى الاجهاشات المؤثرة، كما كان توقيت نظمها ونشرها وهو في الحالة التي اشار اليها يدعو الى نبش الماضي بكل تردداته وأحزانه.. ولعلني قد قلت في احدى قصائدي عن مثل ذلك الألم: هكذا ينذر الزمان الختول حالة تبتدي وأخرى تدول مفزع ان نقول حيث الأماني مجهشات والمفرحات ذهول كلما ضمخ الطريق مسير دورة الشمس خفقه والدليل عارض الأنفس الوقيدة منها نفس مثقل الأوار مهول نم فقد عرشت أمانيك فينا والحريف المقطوف والمطلول وعندما صرت فيما بعد اشرف على ملحق المدى الثقافي كان يبعث بقصائده المتنوعة وكنت أهتم بها واذكر فيما اذكر انه كان من المشاركين الفاعلين حينما دخل جيش الغزو منطقة (الخفجي) وكانت اياما عصيبة وقد كتبت دراسة مطولة عن قصيدته رحمه الله في الصحافة المحلية انذاك وأعيدت فيما اعيد الا انني لم اوثقها في مؤلف حتى الآن كما كنت احترمه كثيراً نظرا لمثول مصداقيته فيما يطرح.. قال احد من أثق به انه ظل متوهج الطفولة حتى آخر حياته، عاشقاً حتى النخاع لمرابع صباه لا يداهن ولا يرضى بالهينة كما انه شاعر بالفطرة يحب حتى الهوس واذا كره فلا حول ولا قوة الا بالله.. كان يحدثني اذا جاء للجريدة عن نادي جيزان الادبي وعن ما كان يكابده وعن من يظنون انه ملك لهم وحدهم وعن كثير من الأتباع والمؤمنين وعن محاربة الاصوات المرتفعة والجاثمين على صدور المبدعين او ما في هذا الضمن من التأوهات المأسوفة.. رحم الله علي النعمي واعان الاوفياء على التقصي ومتابعة مسيرته وخاصة بعد استقراره في حرجة ضمد ففيها الكثير من المفاجآت والنوادر، ولعلني قد قلت فيما سلف عن صديق مثله وعن حادثة مؤلمة لا تختلف عن فجأة رحيله: ثُكلت بفقدك أمة مرزوءة للموت فيها جيئة وذهاب ضحيت بالجهد الكبير ولم تزل حتى تدانى شاخص وصواب تبكي الجزيرة كلها ولربما دوت فعم الثكل والتنحاب أبكيك أبكي الطهر أم أبكي الذي في الصدر يزحف والخشوع خطاب.