رؤية السعودية 2030 ضخمة وعالية الطموح ما يجعل تحقيقها مرهوناً بتضافر جهود الجميع على مختلف المستويات . الرؤية وضعت الأهداف الإستراتيجية والخطوط العريضة والبرامج العامة والنتائج المرحلية للرؤية ، وألزمت المؤسسات الرسمية ذات العلاقة المباشرة بالخطة بوضع الخطط الخاصة بها كل حسب دوره في الرؤية . وتركت للمجتمع والقطاع الخاص حرية الاستفادة من تلك الخطة كل حسب ما يناسبه ويستطيعه ، ووعدت بدعم الجميع بما يتوافق مع الرؤية . من الأسباب الرئيسية لنجاح أي خطة أن يتم تجزئتها حسب القطاعات الحكومية ، والمراحل الزمنية للتنفيذ ، وحسب المهام المختلفة ، وحسب المناطق الجغرافية . وكل نوع من أنواع التجزئية يخدم أهدافاً معينة ويساعد على الإنجاز ويكشف الخلل سريعاً ويحدد مكانه وحجمه وأثره وتكاليفه وطرق علاجه . وما لم أره حتى الآن هو دور المناطق الإدارية للمملكة في وضع رؤيتها الخاصة ضمن رؤية السعودية 2030 . أعتقد أن اكتفاء إمارات المناطق ومحافظاتها بما تقدمه الوزارات كإدارات مركزية مسؤولة عن التخطيط لقطاعاتها غير كاف ، وليس للاحتياجات السنوية التي ترفعها كل منطقة حسب قطاعاتها للوزارة دور كبير في مسايرة المناطق للرؤية ، لأنها احتياجات بسيطة روتينية لا تعتمد على الرؤية الإستراتيجية ، بل على احتياجات آنية محدودة . المملكة قارة والتباينات في هذه القارة كبيرة جداً تشمل الإنسان وطبيعته الاجتماعية والثقافية والتاريخية وتميزه في جوانب عن جوانب ، والأرض وتضاريسها وأجواءها ومكوناتها البيئية والطبيعية والأثرية ، والبنية التحتية والتنموية ومكوناتها الاقتصادية التي تميز كل منطقة عن غيرها . ذلك التباين يجعل لكل منطقة في المملكة بل لكل محافظة أحيانا ما يميزها عن غيرها ، وما ينقصها ، وما تطمح لتحقيقه ، وأهل كل منطقة أدرى بكل ذلك من أى أحد مهما بلغت معرفته . لذلك يتوجب على إمارات المناطق محاكاة الرؤية السعودية 2030 بحيث تصبح لكل منطقة رؤيتها الخاصة التي تمثل (رؤية المنطقة 2030) تشمل أهدافها الإستراتيجية الخاصة بها المنبثقة من أهداف الرؤية ، وبرامجها التنفيذية المتوافقة مع برامج الرؤية . وضعت الرؤية السعودية عوامل القوة الثلاثة التي تتميز بها المملكة العربية السعودية كركائز استراتيجية للرؤية السعودية ، وهي العمق الإسلامي والعربي ، والقدرات الاستثمارية الهائلة ، وأخيراً الموقع الجغرافي المميز وسط العالم . وكل منطقة من مناطق المملكة تمتلك من تلك المزايا الثلاث نصيباً يختلف من منطقة لأخرى وبنسب تتباين من ميزة لأخرى . لذلك يجب أن ترتكز رؤية كل منطقة على مزاياها النسبية من كل عامل من العوامل السابقة ، مع ملاحظة أن الرؤية فصلت في البرامج التي يشملها كل عامل من العوامل الثلاثة ، وهو ما يساعد إمارات المناطق على استغلال ذلك التفصيل في صياغة رؤاهم التي تجمع بين الميزة النسبية للمنطقة والبرامج التفصيلية للرؤية السعودية . لا يكفي أن يكون للمواطن السعودي رؤية عامة تمثل الوطن بالكامل ، بل يحب أن يرى رؤية منطقته التي يعيش فيها لأسباب جوهرية : أولها أن خططه وأهدافه الخاصة ستكون بناء على خطط منطقته وتوجهاتها المستقبلية ، فاستناداً على خطط المنطقة يستطيع المواطن في تلك المنطقة وضع خططه ، وإلا سيتشتت مع حجم الرؤية العامة الهائل جداً. ثم إن كل مواطن يحب أن يعرف آثار الخطط التنموية في منطقته التي يعيش فيها وإن لم تكن له أهداف أو خطط مستقبلية ، وهذا يدفعه للمساهمة فيها بجد وحماس حسب موقعه في المنطقة . وأخيرا إعلان رؤية المنطقة يقلل من الفساد فيها ويرفع سقف الرقابة ، لأن المواطن في كل منطقة سيكون رقيباً على ما أعلن من خطط وما تم من تنفيذ ، وسيكون للمواطن دور في الضغط على المسؤول في منطقته بما التزم به من برامج وأهداف أمامهم . نعم ستواجه بعض المناطق صعوبات كبيرة في وضع رؤيتها الخاصة بها ، لقلة الكوادر البشرية المؤهلة بالمعرفة والخبرة لوضع الخطط الإستراتيجية ، ولضعف المعلومات والبيانات السابقة التي يمكن الاعتماد عليها ، ولمقاومة بعض القوى المتنفذة في كل منطقة للتغيير الذي ربما يؤثر على مصالحهم أو مراكز نفوذهم ، لكن يمكن تجاوز تلك الصعوبة بالاستعانة ببيوت الخبرة السعودية التي أثبتت كفاءة عالية في التخطيط في السنوات الأخيرة . على أن يكون لشباب المنطقة دور جوهري وحقيقي في وضع تلك الخطط فعليهم سيكون التنفيذ . سمعنا بعض أمراء المناطق يتحدثون عن دور مناطقهم في الرؤية السعودية بشكل عام ومجتزأ ونظري ، لكن لم نرَ أي رؤية خاصة لأي منطقة مبنية على الرؤية السعودية 2030 ، وأتمنى أن نرى الرؤى الخاصة بالمناطق قريباً. @abdulkhalig_ali [email protected]