يأبى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يضيع فرصة لا يتمكن فيها من استغلال ورقة المهاجرين لابتزاز القارة الأوروبية، ففي حين أنه لطالما وصف السوريين بأنهم إخوة للأتراك، إلا أنه يضعهم بين شقي الرحى، حيث باتوا بين وضعين كلاهما مر، فهم إما أمام مواجهة استياء شعبي متزايد من وجودهم في تركيا أو أمام قنابل الأمن اليوناني، وكل ذلك من أجل إجبار الاتحاد الأوروبي أن يقف معه في تحقيق أطماعه الاستعمارية في الشرق الأوسط. وتعهد أردوغان الجمعة بإبقاء الحدود مفتوحة أمام اللاجئين السوريين المتجهين إلى أوروبا، وعلى ذلك عبر 76 ألف مهاجر إلى الحدود اليونانية خلال يومين فقط، لكن الأمور وكما هو متوقع لم تسر بسلاسة؛ إذ يصطدم المهاجرون مع الأمن اليوناني لليوم الثاني على التوالي. وكان أردوغان قد صرح أمس في أول تعليق له منذ أن قُتل 33 جنديًا تركيًا في شمال سوريا يوم الخميس: لن نغلق هذه الأبواب لماذا؟ لأن الاتحاد الأوروبي يجب أن يفي بوعوده. ومنذ ذلك القرار، لعب المهاجرون لعبة القط والفأر مع دوريات الحدود اليونانية طوال الليل وحتى اليوم الأحد، حيث ألقت السلطات اليونانية الغاز المسيل لصد محاولات الحشد للدخول عبر الحدود، ورد عليها السوريون بإلقاء الحجارة. واعتبرت اليونان خطوة تركيا محاولة متعمدة للضغط على الدول الأوروبية، ويأتي ذلك مع تصاعد التوترات بين تركياوسوريا، حيث قُتل أكثر من 55 جنديًا تركيًا منذ بدأت تركيا في إرسال مزيد من التعزيزات إلى مناطق شمال غرب سوريا. ماذا يريد أردوغان من الاتحاد الأوروبي؟ يريد الرئيس التركي تحقيق عدة مكاسب منها فتح الباب للأتراك للسفر إلى أوروبا دون تأشيرة، بجانب الانضمام إلى دول الاتحاد الأوروبي، كما يريد الدعم في التدخل السوري والليبي لمد نفوذه في الشرق الأوسط، ذلك بجانب دعمه أيضًا في التنقيب عن غاز المتوسط. وبجانب ابتزاز الاتحاد الأوروبي، فإن هناك سببًا آخر لقرار أردوغان، وهو أن تركيا في الواقع تخشى أن يصل المزيد من السوريين إليها، إذ يوجد بها بالفعل حوالي 3.6 مليون لاجئ سوري وسط استياء شعبي متزايد من وجودهم، وقالها أردوغان صراحةً: لسنا في موقف للتعامل مع موجة جديدة من اللاجئين من سوريا. وشهدت نقاط العبور الرسمية وغير الرسمية من تركيا إلى أوروبا، تدفقًا مستمرًا للاجئين السوريين الذين يدخلون القارة، وفتح الحدود يعني خروجًا دراماتيكيًا عن سياسة تركيا الحالية، حيث إن بموجب اتفاق عام 2016 وافقت تركيا على وقف تدفق اللاجئين إلى أوروبا في مقابل الحصول على مساعدات مالية، وزعم أردوغان أن الاتحاد الأوروبي قد فشل في احترام الاتفاق. وتُظهر مشاهد من الحدود أشخاصًا يتنقلون عبر الأسوار السلكية ويتجولون في الأنهار المتجمدة للوصول إلى اليونان، مما يذكرنا بمشاهد أزمة لاجئي عام 2015 حين دخل مليون مهاجر إلى أوروبا. وقال المتحدث باسم الحكومة ستيليوس بيتاس للصحفيين ستقوم الحكومة بكل ما يلزم لحماية حدودها، وبثت قناة Skai TV اليونانية بثًا حيًا من الجانب التركي من الحدود البرية الشمالية، تُظهر شرطة مكافحة الشغب اليونانية وهي تطلق قنابل الغاز المسيل للدموع على مجموعات من المهاجرين. ويُذكر أن هجوم يوم الخميس أثار خطر المواجهة العسكرية المباشرة بين تركيا وروسيا، وانخفض سوق الأسهم التركية بنسبة 10%، في حين تراجعت الليرة التركية مقابل الدولار.