يتحيّن المزارعون في جازان في منتصف أكتوبر من كل عام “مذرة المخرط” وهو أشهر مواسم زراعة الذرة في المنطقة ، إضافة لمواسم الشبّ والخريف والسعودات وغيرها من المواسم المعروفة لدى المزارعين، التي يعتمدون عليها في معرفة زمن البدء في علميات استصلاح الأراضي وتنظيفها مع قرب موسم هطول الأمطار وجريان السيول, وتحديد أوقات الحرث والزراعة والحصاد وفق عمليات حسابية دقيقة يجيدها أهل الخبرة وكبار السن من المزارعين. وتُبشر غزارة الأمطار وجريان السيول التي شهدتها منطقة جازان خلال الأسابيع الماضية والفترة الحالية، بمقدم موسم زراعي متميز – بفضل الله – حيث بدأ المزارعون في زراعة الذرة، مستبشرين برزقهم، ومحافظين على الحياة لأراضيهم وحقولهم الخضراء. وفي إحدى مزارع الذرة في أطراف محافظة أبوعريش يقف المزارع يحيى بن إسماعيل درّاج، وقد قضى ما يزيد عن 60 عامًا بين تلك الحقول، مستذكرًا سنوات مضت قضاها في ممارسة الزراعة عندما كانت تستخدم الثيران في حراثة الأرض آنذاك، وحين كانت الأرض ذاتها مصدرًا أساسيًا للقوت والحياة، وحين كان الأهالي يتلهفون لموسم الحصاد فرحين مبتهجين بما تجود به المزارع، وما ينبت في “الوساد” في أطراف الحقول . ويؤكد المزارع محمد بن أحمد بهكلي أن الأرض وحراثتها وزراعتها وريّها تشكل مصدرًا للسعادة له، ولجلّ المزارعين في جازان، الذين ما إن أبصروا الدنيا يومًا إلا وهم بين حقول الذرة مع آبائهم وإخوانهم، يحرثون ويروون ويزرعون، فغدت الأرض جزءًا من حياتهم، يسعدون بزراعتها ورؤيتها خضراء مثمرة. وعدد الباحث عايل بن علي الأمير أنواع الذرة التي تشتهر سهول جازان بزراعتها وتشمل الذرة البيضاء، والحمراء، والشهلاء، والشاحبي والذرة القهرية والغرب، مبينًا مراحل نمو ثمرة الذرة قبل الحصاد فتشمل تسع مراحل تبدء بمرحلة المعاصرة ثم مرحلة الجضم، وبعدها مرحلة مج العذق، يلي ذلك مرحلة الصفو، ثم مرحلة الخريط وهو أول مراحل نمو الحبة “البذرة”، فمرحلة النجيف بظهور نصف الحبة تقريبًا، ثم مرحلة الشويط حيث تكون الحبة طرية، ثم مرحلة الخضير، وأخيرا الذرة الحمراء كاملة النضج. ولأهالي منطقة جازان مع منتصف شهر ديسمبر من كل عام موعدًا ينتظرونه جميعًا بكل شوق ولهفة، حيث يصل نمو سنابل الذرة إلى مرحلة “الخضير”، حيث تُقطف سنابل الذرة لينة سهلة الطحن ولونها أقرب إلى الخضرة، ويسمى الموسم “خضيرًا”، ليستمتع الأهالي بمذاق الذرة في مختلف أنواع الوجبات الشعبية التي يكون الخضير مكونًا أساسيًا لها، فغدا الخضير بحد ذاته موسمًا للبهجة لدى المزارعين ببيع حصاد مزارعهم، ولدى الأهالي كافة حفاظًا على جزء من مورثاتهم وتقاليدهم الزراعية وأكلاتهم الشعبية. ويجتهد المزارعون في بيع حصادهم سواء من الخضير أو من الحبوب الحمراء عبر منافذ البيع التقليدية في الأسواق الشعبية، فضلا عن تسويق القصب لاستعماله كأعلاف لقطاع الثروة الحيوانية، ليظلّ مزارعو جازان أوفياء للأرض ولسنابل الذرة، محفزين أبناءهم للاهتمام بالزراعة وتطويرها والعمل بجد وإخلاص ومثابرة .