النظرة العامة التي يحملها السعوديون عن المتاحف هي أنها أماكن مملة يزورها المهتمون بالتاريخ والآثار؛ ولذلك العديد منهم لا يجعلها ضمن خططه السياحية، سواء داخليًّا أو خارجيًّا. وهناك سببان رئيسيان لهذا العزوف عن المتاحف؛ أولًا: يزيد عدد المتاحف في المملكة عن 190 متحفًا حكوميًّا وخاصًّا، الغالبية العظمى منها تتبع نفس النمط وتعرض المقتنيات الموجودة فيها بالطريقة ذاتها؛ ما تسبب في عزوف الناس عنها، فالصورة النمطية السائدة لديهم عن المتاحف هي صورة سلبية. وثانيًا: تغير سلوك السائح واهتماماته، وهذا التغير يحدث بشكل مستمر ويتطلب مواكبة مستمرة لضمان استمرار تدفق الزوار وزيادة أعدادهم. وفي عام 2017، أعلنت الهيئة العامة للإحصاء أن مجموع زوار المتاحف في المملكة لا يتجاوز 570 ألف زائر، وشمل الإحصاء 20 متحفًا حكوميًّا حول المملكة، أي بمعدل 28 ألف زائر في العام للمتحف الواحد، وهذا يعني أن معدل الزوار اليومي للمتحف الواحد لا يزيد عن 78 زائرًا. في حين أن المتحف الوطني في الرياض يجذب النسبة الأكبر من زوار المتاحف في المملكة، نجد أن مجموع زواره لا يزيد عن 100 ألف زائر في العام، بينما نجد متاحف في أوروبا أقل حجمًا وقيمة ومادة وفي مدن أصغر بكثير من الرياض وليست سياحية يزيد عدد زوارها عن مليون زائر سنويًّا؛ كمتحف مدينة بيرمنجهام مثلًا. إن هذه الأرقام تنذر بمستقبل مظلم لقطاع المتاحف في المملكة، مستقبلٌ لا يتناسب مع كونها عنصرًا مهمًّا من عناصر رؤية المملكة 2030. البعض يظن أن الناس لا يهتمون بالتراث الثقافي وهذا غير صحيح، فمهرجانات تراثية عديدة تقام في المملكة تجذب آلاف الزوار يوميًّا، ونرى ذلك جليًّا في الجنادريةوجدة التاريخية وسوق عكاظ، إذًا المشكلة ليست في عدم اهتمام الناس بالتراث الثقافي، وإنما في المتاحف نفسها. تحتاج المتاحف السعودية لوضع إستراتيجية تسويقية تنهض بهذا القطاع المهم، إستراتيجية تبدأ من تطوير المنتج المتحفي بما يتوافق مع متطلبات السوق، والاستفادة من التقنيات الحديثة المستخدمة في المتاحف العالمية، وتطوير برامج جاذبة للسياح والمجتمع المحلي. طريقة عرض القطع الأثرية تحتاج لأن تصاحبها التقنية، فمثلًا لو لدى المتحف سيف معروض لشخصية تاريخية مهمة، من المهم أن يصاحب عرضه مادة مرئية على شكل فيلم تاريخي تحكي قيمة هذا السيف وقيمة صاحبه. من المهم أيضًا الاستفادة من التقنيات السينمائية المتوفرة كتقنية 3D و4D وما بعدها ومواكبة أي تحديثات عليها. أتساءل حقيقةً، ما لذي يمنع أن أشاهد فيلمًا عن السيرة النبوية مثلًا في متحف بمكةالمكرمة بتقنية 9D؛ بحيث أضع نظارة الواقع الافتراضي وأعيش تلك الفترة التي عاشها النبي صلى الله عليه وسلم في مكة وفي الغار وفي هجرته، وأتابع معاركه عن كثب، ولا يمنع أن أشارك أيضًا فيها؛ فالتقنية تتيح لنا مثل هذا. تطوير المتاحف بهذه الطريقة سيجعلها أماكن تعليمية وترفيهية حقيقية يقصدها الناس لقضاء وقت ممتع فيها، وستزول معها صفة الملل المرتبطة بصورتها النمطية. مستقبل المتاحف يكمن في توظيفها للتقنية وفهمها لمتطلبات السوق ومواكبتها لذلك، لتكون رافدًا اقتصاديًّا مهمًّا ومرجعًا ثقافيًّا بما يتوافق مع الرؤية الطموحة.