كشف وزير المالية، محمد بن عبدالله الجدعان، أن الميزانية العامة للدولة للعام المالي 1439/ 1440ه أكبر ميزانية إنفاق متكاملة النمو في تاريخ المملكة، وهي أيضًا ميزانية متكاملة تنموية واستثمارية، مبينًا أن ميزانية هذا العام غير مسبوقة في ظل أسعار نفط تصل إلى نصف مقارنة بالسنوات السابقة. جاء ذلك خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده اليوم في المركز الإعلامي بمبنى وكالة الأنباء السعودية "واس" بالرياض، بمشاركة وزير الاقتصاد والتخطيط محمد بن مزيد التويجري، ومحافظ مؤسسة النقد العربي السعودي أحمد بن عبدالكريم الخليفي. نظام مالي غير مسبوق داخل الجهاز الحكومي: وأفاد الجدعان بأن الجهاز الحكومي خطا خطوات كبيرة جدًّا في التنسيق برفع الكفاءة وترشيد الإنفاق، للتأكد من أنه يذهب إلى المكان الصحيح، مبينًا أنه تم تحقيق نظام مالي غير مسبوق داخل الجهاز الحكومي، كما تم زيادة الإنفاق 4% مقارنة مما كان، وتم أيضًا خفض العجز إلى أقل من 10% أي 8.9% تقريبًا، كما تم الانتهاء من جميع مستحقات القطاع الخاص، وجرى التعامل بشكل شفاف ووضوح في هذا المجال مع القطاع الخاص. وبيّن أن حكومة المملكة عملت في السنوات السابقة بالتوصل مع القطاع الخاص بشكل مستمر، وعُقدت العديد من الورش والاجتماعات مع القطاع الخاص لتتأكد من أن العملية التنموية متلازمة، كما تبذل الحكومة الجهد لتذليل العقبات التي تواجه القطاع الخاص. التركيز على المواطن: وأكد أن التركيز الأساسي حاليًّا على المواطن الذي هو المحور الرئيسي للتعليمات الواضحة التي صدرت من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين، للحكومة والوزراء بالتركيز على الخدمات التي تقدم للمواطن ورفع مستواها وإيصالها لكل مناطق المملكة دون استثناء. وبين أن من المهم التركيز على التخطيط المالي في السنة القادمة، حيث تم تنسيق الجهود بشكل كبير جدًّا في الإنفاق العام للسنة القادمة ضمن الإنفاق الحكومي وإنفاق الصناديق من خلال صندوق الاستثمارات العامة، حيث قاد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة، إعادة هيكلته على مدى أكثر من سنتين، انتهت إلى أن يكون الصندوق جاهز لبدأ مشاريع تنموية استثمارية داخل المملكة. 83 مليار ريال على مشروعات تمس جوهر التنمية: وأفاد أنه في عام 2018 سيتم إنفاق 83 مليار ريال على مشروعات تمس جوهر التنمية، وستقوم صناديق التنمية التي يقودها صندوق التنمية الوطني في إنفاق ما يزيد عن 50 مليار على تمويل القطاع الخاص واحتياجاته، ومشاريع التنمية وتحفيز القطاع الخاص على مزيد من الاستثمار، مبينًا أن صندوق الاستثمارات العامة والصناديق الحكومية وميزانية بحجم إنفاق غير مسبوق ب 978 مليار، تشكل معًا أكبر إنفاق عام في المملكة يحقق مستهدفات ورؤية 2030 ليصل إلى تريليون وعشرة مليار ريال. واستعرض وزير المالية نتائج ميزانية 2017 حيث، بلغت النفقات في الميزانية 926 مليار مقارنة ب890، مستهدف في ميزانية 2017 التي أعلنت العام الماضي وبزيادة في الإنفاق قدرها 4%، كان التركيز فيها على الإنفاق في إعادة البدلات والإنفاق الرأس مالي الذي يستهدف تسريع إيصال الخدمات للمواطنين. وحول إيرادات 2017، قال الأستاذ الجدعان: "إن أرقام الإيرادات تجاوزت التوقعات والذات الإيرادات غير النفطية، فكان المخصص للإيرادات الغير نفطية 212 مليار في عام 2017، ولكنها بلغت نهاية العام 256 مليار لتحقق قفزة غير مسبوقة، ولو نظرنا إلى الإيرادات النفطية على مدى 4 سنوات السابقة، لوجدنا أن الإيرادات النفطية نمت بنسبة 130%، ما بين 2014 إلى 2018، وهذا نمو غير مسبوق". وأضاف فيما يتعلق بالنفقات التشغيلية في 2017، تم الانتهاء بنهاية العام 646 مليار ونفقات رأس مالية 180 مليارًا، وبالمقارن بميزانية 2018 سيكون الإنفاق بإذن الله 978 مليار ريال، وستكون الزيادة الأساسية في الإنفاق بالعام القادم التركيز على الإنفاق الرأسمالي بزيادة قدرها 13.7%، فيما سيكون الإنفاق التشغيلي للعام القادم 773 مليار ريال بزيادة قدرها 3.6%. 9 برامج أخرى متوقع إطلاقها في الربع الأول من 2018: من جانبه، أوضح وزير الاقتصاد والتخطيط محمد بن مزيد التويجري أن الميزانية والتوازن المادي هما إحدى أدوات تنفيذ رؤية المملكة 2030، مبينًا أن عام 2017م حظي بعمل كبير على الإطار التخطيطي والحوكمة ورسم برامج رؤية 2030 التي أُطلق منها 3 برامج تتمثل في التحول الوطني، والتوازن المالي، وبرنامج صندوق الاستثمارات العامة، مفيدًا أنه توجد 9 برامج أخرى متوقعًا إطلاقها في الربع الأول من عام 2018م. وبين أن البرامج لها أهداف اقتصادية محددة، ولها علاقة بنمو الناتج المحلي والتوظيف وتحسين ميزان المدفوعات للوصول إلى برنامج التوازن المالي، مفيدًا أن أهداف الرؤية هي الاستدامة في النمو الاقتصادي والسياسة المالية والنقدية، والحرص على النمو الاقتصادي بطريقة علمية وثابتة، مما يدعم كل التوجهات، وتنفيذ برامج الرؤية، مع السعي بالتحكم في البطالة للوصل إلى هدف رؤية المملكة 2030، لتكون نسبة البطالة 7%، مؤكدًا أن دعم برامج الرؤية هدف إستراتيجي لنمو مستدام بأرقام اقتصادية جاذبة للاستثمار. تحفيز وتحسين القطاع الخاص: وكشف وزير الاقتصاد والتخطيط أن عام 2018م سيتم التركيز فيه على تحفيز وتحسين القطاع الخاص من خلال حزمة القرارات التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود بتحفيز القطاع واعتماد مبلغ إجمالي 72 مليار ريال، مفيدًا أنه سيتم تسديد أي التزامات على الحكومة والاستمرار والتحسين في الإجراءات التشريعية مما يدعم عمل القطاع الخاص، والبدء بتنفيذ بعض برامج الخصخصة وتخصيص بعض القطاعات الأكثر جاهزية. وبين أن حساب المواطن سيكون داعمًا عندما يكون هناك بعض الرسوم التي فرضت، وحزم لتحفيز القطاع الخاص لتخفيف أي آثار جانبية على الاقتصاد، متوقعًا أن تكون سياسة التحريك أكثر كثافة في 2018م، وأن العجلة الاقتصادية ستبدأ في الانتعاش والنمو في الناتج المحلي الحقيقي. وبدوره، أوضح محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي، الدكتور أحمد بن عبدالكريم الخليفي، أن المؤسسة لديها إستراتيجية تركز على الاستقرار النقدي والمالي، مفيدًا أن المملكة وعلى مدى ال30 سنة ماضية لديها استقرار نقدي، إذ لم يتجاوز التضخم 3%، بفضل ما تملكه مؤسسة النقد من احتياطيات مالية قوية، إلى جانب احتياطيات العملات الأجنبية التي تتجاوز حاليًّا 1.8 تريلون ريال، تغطي أكثر من 40 شهرًا من الواردات، فيما يغطي المعدل العالمي 6 أشهر تقريبًا. وأكد أن الاقتصاد السعودي لديه قدرة استيعابية جيدة؛ ما ساعد على تعزيز الاستقرار النقدي، إضافة إلى التنافسية سواءً في سوق العمل أو سوق السلع والخدمات، مبينًا أن الاستقرار النقدي لا يزال محافظًا عليه. وحول الاستقرار المالي، أفاد الدكتور الخليفي بأن مؤسسة النقد مسؤولة عن القطاع البنكي وقطاع التأمين وقطاع التمويل، إذ تعد هذه القطاعات كجزء كبير من القطاع المالي، وتراقب القطاع المالي خاصة القطاع البنكي، لما يملكه من ودائع يهم المؤسسة سلامتها. وتناول مؤشرات السلامة البنكية التي تنشرها مؤسسة النقد بشكل ربعي، وإلى ما ينشر بشكل شهري عن أوضاع البنوك بما لديها من ودائع أو عرض النقود أو الإقراض وغيرها، حيث تعد هذه المؤشرات عالية جدًّا، مبينًا أن الأصول جيدة، وأن ما يسمى بكفاية رأس المال، يتجاوز معدله إلى 19%، بينما يتجاوز المعدل الموصى في بازل 8%. مؤشرات السيولة والربحية جيدة: وأكد أن القروض غير العاملة "المشكوك في تحصيلها" لا تتجاوز 1.5% من حجم القروض المعطاة من البنوك، مبينًا أن مؤشرات السيولة والربحية تعد جيدة، مؤكدًا أهمية الحفاظ على سلامة القطاع المالي لما يمثله من خدمة للاقتصاد خاصة عند التوسع. وبيّن الخليفي أن هناك تنسيقًا وتواصلًا مستمرًّا بين وزارة المالية، ومؤسسة النقد العربي السعودي في السياسة المالية، إلى جانب التواصل على المستوى الفني، بهدف ضبط السيولة والتأكد من كونها كافية وتخدم الاقتصاد بجميع قطاعاته. ولفت وزير المالية خلال إجابته على أسئلة الصحافيين إلى أن موازنة المملكة 2018 حققت قفزة على مستوى الإيرادات غير النفطية لم يسبق أن تحققت وفاقت التوقعات، حيث بلغت 256 مليار ريال، في حين كانت التوقعات 212 مليار ريال، عادًّا ذلك جانب من جوانب النجاح المحقق لميزانية هذا العام، ومؤشر مهم يعكس حجم العمل التكاملي المبذول من مختلف قطاعات الدولة في إطار جهودها لتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030. 70 ألف أرض سكنية وزعت فعليًّا على المواطنين: وعن الإنجازات الملاحظة التي لمسها المواطن على أرض الواقع، أشار إلى قطاع الإسكان، بوصفه أحد القطاعات التي شهدت نجاحات لافتة خلال هذا العام، كاشفًا عن تخصيص 70 ألف أرض سكنية و150 ألف وحدة سكنية وزعت فعليًّا على المواطنين، ومن المقرر إنفاق ما يربو عن 50- 60 مليار ريال على هذا القطاع من ميزانية 2018 من خلال كلٍّ من وزارة الإسكان وصندوق التنمية العقاري، وبعض المشروعات التي يتبناها صندوق الاستثمارات العامة، ومثل تلك الإنجازات فقد حقق قطاع النقل نقلة تنموية جيدة، بواقع 2000 كيلو متر على مستوى الطرق البرية، بينما شهدت مشاريع سكك الحديد تقدمًا لم يسبق لها أن شهدته، حيث ينتظر هذا القطاع تشغيل خط سكة الحديد من الرياض وحتى المدن والمحافظات في شمال المملكة، فيما ستنطلق خلال هذا العام أولى الرحلات على سكة الحديد الواصلة بين مكةالمكرمة والمدينة المنورة، لافتًا النظر إلى قطاع الاتصالات الذي حظي بتطور كبير على نطاق الألياف الضوئية التي جرى إيصالها إلى 150 ألف منزل جديد خلال الربع الأخير من العام 2017م، على أن تغطي 700 ألف منزل بنهاية العام المقبل 2018م. وعن البرامج التي تضمنتها رؤية المملكة 2030 ذات العلاقة بتحقيق الأهداف الرئيسية والمنشودة للرؤية، نوه الجدعان ببرنامج التوازن المالي، بوصفه برنامجًا متكاملًا يحقق الاستدامة المالية، التي تعدّ واحدًا من أهداف الرؤية 2030، مما يعني أنه لا يمثل للدولة هدفًا رئيسًا بحد ذاته، مبينًا أن النسخة الأولى من هذا البرنامج أقرت وفق سيناريو متحفظ فضلت الدولة التعامل وفقه فيما يتعلق بسياسة الإنفاق، لذا كان العام 2023م، بحسب هذا السيناريو نهاية مثالية لمسار هذا البرنامج، بدلًا من العام 2020م، وبما يضمن له تحقيق أفضل نتائجه العائدة إيجابيًّا على تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030، الأمر الذي يجعله وسيلة لا غاية بحد ذاته، بل يشكّل تكامليًّا ضمن جملة من الوسائل والبرامج الأخرى، ضمانًا لتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030، لافتًا النظر إلى أن تمديد جدول برنامج التوازن المالي سيمكن من الوصول لقوائم مثالية في ميزانية عام 2023م، استنادًا على امتيازات تتمتع بها المملكة، مثل أن المملكة تعدّ ثالث أكبر احتياطيات للنفط في العالم، وانخفاض نسبة الدين العام قياسًا بالناتج المحلي، إذ يمثل إجمالي هذا الدين الأقل بين دول مجموعة العشرين. ونوّه وزير المالية برأي صندوق النقد الدولي الإيجابي في السياسة المالية والاقتصادية للمملكة، الذي يصنف بالأفضل طوال تاريخه، مؤكدًا أن هذا الإنصاف لم يأتي من فراغ؛ لأن حكومة المملكة أثبتت قدرتها على التنسيق المتكامل مع وبين الأجهزة التنموية الأخرى والأجهزة الاستثمارية، مثل صندوق الاستثمارات العامة. وحول التوجه الحالي في سياسة الإنفاق أوضح أن المعطيات الحالية دفعت الحكومة إلى الانتقال إلى سيناريو متفائل وأكثر تحررًا من السيناريو المتحفظ الذي انتهجت السير وفقه في الفترة الماضية، وارتأت اتخاذ سياسة الإنفاق بشكل أكبر، استنادًا لما أظهرته من قدرة وتمكن من المحافظة على مستوى العجز ضمن نطاق السقف المستهدف، ووسط تحقيقها قفزات ونمو في الإيرادات غير النفطية، أكثر مما كان متوقعًا.