الحمد لله، وبعد: فلا يشك عاقل مطلقًا في النجاحات المتكررة لمناحي التنمية البشرية التي يعيشها وطننا الكبير المملكة العربية السعودية عامة، ومنطقة القصيم خاصة، منذ تولى القيادة فيها صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز، ومن هذه التوجهات الخيرة، والتي كانت بمبادرة شهمة وجريئة وشجاعة وغير مستغربة من سمو أمير المنطقة، هي سعودة الوظائف في “المولات” أو الأسواق المغلقة في منطقة القصيم، والتي كانت انطلاقتها مع بداية هذا العام الهجري الجديد. تلكم التجربة الجديدة على المجتمع السعودي، والذي كان يئن تحت تأثير العمالة الوافدة في هذه الأسواق، ويخرج من بلادنا عشرات المليارات من الريالات كتحويلات مالية تحولها تلك العمالة لبلادها، بينما العديد من شبابنا لا يجدون فرصة العمل المناسب بسبب سيطرة هذه العمالة الوافدة على الكثير من المفاصل القيادية الإدارية والتجارية لهذه المحلات التجارية للأسف الشديد. وعندما يأتي القرار السياسي من أعلى سلطة ورأس الهرم في المنطقة بتمكين الشباب السعودي من العمل في المولات، فهذا نصر كبير للشباب يجب عدم التهاون فيه ولا إضاعته. فنجاح هذه التجربة يعني لنا جميعًا أملًا كبيرًا في أن يتم تعميمها على بقية المولات التجارية في المملكة. هذه الخطوة الكبيرة يدعمها ويقف خلفها الأمير المحبوب والنشط الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز أمير القصيم، الذي شكَّلت زيارته الأبوية وكلماته الرائعة ومشاعره الفياضة منذ أيام للشباب والفتيات الذين بدؤوا العمل في هذه المولات خير دافع وملهم وحافز لهم، فإذا كان الحاكم الإداري للمنطقة، هو من يقف بنفسه وبشكل شخصي ومباشر على الأمر، فبشر شبابها بإذن الله وتوفيقه بالخير الوفير. الأمير فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز قدَّم بشجاعة القائد وبروح المسؤول وبمبادرة القدوة خارطة الطريق فعلية وواقعية، وراهن فعلًا لإنجاح هذا المشروع الحيوي والخير للمنطقة وأهلها، عندما راهن على شراكة الشباب والفتيات أنفسهم في التنفيذ، بمطالبتهم بالجدية والمُثابرة لإثبات عكس النظرية التي للأسف تروَّج عن الشاب والفتاة السعوديين. ولا شك أن من أهم مقومات نجاح هذه الخطوة أنَّ هناك ثماني جهات تقف خلفها، في مقدمتها وزارتا العمل والتنمية الاجتماعية، والتجارة والاستثمار، إضافة إلى ست جهات محلية مُساندة بدايةً من إمارة المنطقة والأمانة، بهدف توفير فُرص العمل للسعوديين والسعوديات في المولات المُغلقة، إضافة إلى دعم مسار الاستثمار بطرح الحلول التمويلية الميسرة والمناسبة ليفتتح الشباب مشاريعهم وأنشطتهم الخاصة في هذه المُجمعات. ويهدف قرار التوطين إلى زيادة مساهمة الكوادر الوطنية في سوق العمل، وتوطين الوظائف في القطاع الخاص بالمنطقة، خاصة في الأنشطة المتنوعة للمحال الواقعة في المولات والمراكز التجارية بما يوفر فرص العمل اللائقة ذات المردود المادي المناسب للسعوديين والسعوديات في منطقة القصيم. هذا ويبلغ عدد المهن التي تم شغلها بالمواطنين والمواطنات في مولات المنطقة ما يزيد على 4000 وظيفة في جميع المواقع ومراكز التوزيع داخل هذه المولات المغلقة، ويوجد كذلك برنامج للتوطين بالشراكة مع وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، وغيرها من الجهات ذات العلاقة التي تواصل جولاتها التفتيشية لمتابعة ومراقبة تطبيق القرار؛ وذلك لإيجاد مركز داخل كل مجمع تجاري في المنطقة يقدم الخدمات لأصحاب العمل وللجمهور، بالإضافة إلى إطلاق برنامج حاضنة الأطفال وبرنامج النقل لخدمة جميع العاملات داخل المولات من خلال هذين البرنامجين. ويوفر قرار توطين المجمعات التجارية حلولًا نوعية تعزز التوطين المنتج والمستدام والوظائف الجيدة ذات الدخل الجيد والملائم، ولتقليص حجم الانكشاف المهني، إلى جانب دوره الكبير في دعم رواد ورائدات الأعمال، وإسهامه في إشراك المستفيدين والمستفيدات من الضمان الاجتماعي، ونزلاء دور الرعاية والجمعيات الخيرية في سوق العمل، وتحويلهم إلى طاقات منتجة، ونقلهم من المسار الرعوي إلى المسار التنموي، وذلك بالاستفادة من خدمات الدعم والتدريب والتوظيف المقدمة من منظومة العمل والتنمية الاجتماعية، لضبط وتطوير سوق العمل بالمنطقة. كثيرة هي التحديات والصعوبات التي قد تواجه أبناءنا وبناتنا اليوم حتى نستطيع القول: إنَّ مولاتنا المُغلقة خالية من الوافدين تمامًا، وتعتمد على الكوادر الوطنية بنسبة 100%، ولكن، كان لابد أن تكون البداية من القصيم هذه المنطقة الولَّادة التي يحق لمسؤولي التوطين برئاسة سمو أمير المنطقة وسمو نائبه- يحفظهم الله- الفخر بأبنائهم وبقدراتهم على كسب التحدي، ليُشكِّلوا النواة واللبنة الأولى لتوطين بقية المولات بالمملكة. ولا شك بأننا جميعًا ننتظر تفاعلًا إيجابيًّا من جهتين في غاية الأهمية، وهما “رجال الأعمال” بفهم لمُتطلبات وواجبات المرحلة الوطنية التي تقع على عواتقهم لدعم الشباب، و”المتسوقين” بالتفاعل الإيجابي وتقبل الحضور الجميل لأبنائنا وبناتنا في هذه المولات بتشجيعهم والصبر على تدرجهم في فهم المُتطلبات والاحتياجات والسرعة في التنفيذ بذات قدرة الوافد سابقًا، فأولادنا هم وهن أحق وربي بخيرنا، وأحق أن نصبر عليهم، وأن نعطيهم المهلة لأن يتعلموا الدرس في التجارة والتعامل الأمثل من المشتري.. ولا شك أن هذه الخطوة الكريمة من صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز- يحفظه الله- في توطين الوظائف في المولات والأسواق المغلقة لها مدلولات أمنية عدة، لعل أهمها تقليل البطالة بين الشباب والشابات السعوديين، والذي له علاقة بوقت الفراغ الكبير والذي قد يقود للانحراف- لا قدر الله. كذلك التقليل قدر الإمكان من المشكلات السلوكية التي كانت ترتكب من بعض ضعاف النفوس من العاملين في المولات من الأجانب؛ حيث إنه غريب عن البلد ولا حسيب ولا رقيب يحاسبه، وابن البلد مهما كان فهو ابن بيئتنا ووطننا ومجتمعنا وثقافتنا، ولن يكون بأي حال من الأحوال كالأجنبي، كذلك غالبية المتسوقين هم أهل البلد من المواطنين والمواطنات ويعرفون البائعين والبائعات فهم أبناؤهم وجيرانهم وأهلهم مما يزيد ويقوي الضبط الاجتماعي والأمني غير الرسمي، كما يعرفه أهل العلوم الأمنية، كذلك بتوطين الوظائف ندور هذه الأموال لتكون بأيدي أولادنا وبناتنا ليفتحوا بها بيوتًا جديدة، وليكونوا بها أسرًا جديدة بدخل جيد وعمل ثابت بعيد عن الضغوط، كذلك للأسف كنا نشاهد عددًا من الأجانب العاملين في المولات المغلقة يلبسون ملابس ضيقة وقصات شعر غير لائقة وشائنة، وابن بلادي لن يكون كذلك بإذن الله بسبب ضغوط ومراقبة المجتمع والأسرة والأصدقاء وغيرها من وسائل الضبط غير الرسمية التي تلعب أدوارًا مهمة في حياتنا عمومًا. ما أسعدنا فعلًا في منطقة القصيم أن نعرف أننا في هذه المبادرة الكريمة قد وفرنا معيشة كريمة لأكثر من 4000 أسرة سعودية محتاجة للدعم، وفي نفس الوقت منعنا هدرًا ماليًّا كان يذهب لخارج وطننا. لذلك نعرف جميعًا أننا بهذه المبادرة الكريمة من لدن صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز أمير منطقة القصيم قد حققنا- بفضل الله ومنته- أهدافًا وغايات عدة، ولله الحمد والمنة. ——————- * أستاذ دكتور في جامعة القصيم