ولد رجال الأعمال السعودي المعروف محمد بن إبراهيم بن محمد السبيعي، عام (1333ه/1915م)، في منزل متواضع، وبيئة فقيرة قاسية في عنيزة ثاني أكبر مدن منطقة القصيم، يعود نسبه إلى قبيلة سبيع. عمل والده إبراهيم في المدينةالمنورة، الذي توفى عام (1344ه/1926م) مع أكبر قادة الملك عبدالعزيز طيب لله ثراه، وكان كثير الترحال، والتنقل بين مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة؛ سعيًا إلى طلب الرزق، أيامَ كان الفقر يضرب أطنابه معظم سكان الجزيرة العربية، وحين كان أهل نجد يغادرون مناطقهم إلى الحجاز والشام والهند للتجارة والبحث المضني عن لقمة العيش. كان لوالدته – رحمها الله – دورٌ كبير في تربيته ونشأته ووجهته أثناء ترحال أبيه، إلى حفظ القرآن والتعلُّم وضرورة السعي والعمل. قضى محمد السبيعي طفولته وصباه وشبابه في مدينة عنيزة، وترعرع في أزقتها الضيقة وتعلم في حلقات مساجدها القرآن الكريم، وتغذَّى على مواردها الشحيحة من الماء والتمر، فكان محبوبًا بين رفاقه، لم يُؤثر عنه أنه تخاصم يومًا مع صديق أو شقيق. وبعد وفاته، عام (1344ه/1926م)، وكان عمره آنذاك، أحد عشر ربيعًا وعمر أخيه (عبد الله)، (عامان)؛ بدأت رحلتهما مع اليتم في هذه السن المبكرة؛ ومع تراكم الظروف القاسية؛ أدرك السبيعي، في هذه السن المبكرة، أن واجبه الآن بات في السعي للبحث عن عمل يكفل له ولوالدته وأخيه لقمة العيش؛ فقرر التوجه إلى مكةالمكرمة مع عمِّه ناصر السبيعي، للعمل هناك، حيث كان اختياره لمكةالمكرمة شرَّفها الله، اختيارًا موفقًا، فهي- آنذاك – ملتقى التجار من أنحاء العالم، حيث يتوافد الحجاج والمعتمرون، إضافة إلى قربها من ميناء جدة البحري. وفي تلك الأرض المباركة؛ شرعت الأحداث لتأخذ منحىً آخر متصاعدًا بفضل الله تعالى. توجه محمد بن إبراهيم السبيعي مع عمه ناصر في شهر ذي القعدة عام (1344ه/1926م) إلى موكب الحجاج على الجمال في رحلة شاقة استغرقت سبعة وعشرين يومًا حتى وصلوا إلى مكةالمكرمة، وهناك أدخله عمه (ناصر) الكُتَّاب؛ لإكمال دراسته القرآن الكريم عند المُعلّم عبد المجيد الشنقيطي، في مسجد يقال له: (مقرأ الفاتحة)، استكمالاً لقراءة نصف ما قرأه في عنيزة على يد الشيخ عبدالعزيز الدامغ. وحرص عمه ناصر على دراسته وتعليمه من خلال مواصلة الدراسة في المدرسة الوحيدة في مكة آنذاك (مدرسة الفلاح) بمكةالمكرمة. وعندما أدرك عمه ناصر أن المدرسة يقضي الطالب فيها معظم النهار؛ ما يعني انقطاعه عن العمل في الدكان، فأخرجه منها. لم يأنف محمد السبيعي في بواكير حياته، من العمل؛ فامتهن كل ما يخطر على البال من الأعمال البسيطة والشاقة جدًا، التي قد تكون متواضعة في أعين البعض لكن حين يتم النظر إليها كعمل وقيمة؛ فإنها تحمل في طياتها استحقاقًا للكرامة؛ وميدانًا أوليًا لتعلم أسرار الذات وإدراك معنى الجهد كوسيلة للكسب الحلال؛ إيمانًا منه بأن مَنْ يحتقر شيئًا من قيمة العمل؛ لم يدرك أسراره، وفاته أسرار التعرٌّف على طرائقه التي تؤدي إلى حيازة ثمار الكسب اللامتناهي في مسيرة الحياة؛ لتصبح الحياة مسيرة واصلة من النجاح اليومي في ميادين العمل والإنجاز والتوفيق؛ فعمل طبَّاخًا وسقّاءً وعمل كذلك دلَّالاً (بائعًا متجولاً) يأخذ السجادة ويحملها على رأسه ويطوف بها في الشوارع من الصباح الباكر وحتى المساء، يبيعها أحيانًا ويحصل على بعض الدراهم، ويعيدها أحيانًا أخرى إلى حيث أخذها دون أن يحصل على عائد مادي رغم سعيه وجهده..! كما عمل في سوق الجودرية بمهنة (محرّج)، لكن كان حلمه الأكبر الذي يظل يطارده أن يصبح تاجرًا كبيرًا..؛ المهم أنه صمّم وقرّر وتوكل على الله..! ففي حوانيت مكة وبين أزقتها وبيوتاتها؛ بدأت قصة الكفاح، وكانت بدايات السبيعي في المهن اليدوية الشاقة، ففي عام (1346ه/1928م)؛ فعمل السبيعي، وهو ابن ثلاثة عشر ربيعًا مع عمه ناصر في دكانه الصغير، بائعًا في الصباح.. مقابل ثمانية جنيهات مجيدية لمدة عشرة أشهر، ومع ساعات المساء الأولى، كانت له مهمة أخرى؛ فقد كان يعاهد (عين زبيدة) في المساء سقَّايًا، يجلب الماء إلى بيت عمه وديوانه.. مقابل أجر زهيد؛ كي يساعد ويخفف من الأعباء الملقاة على عاتق أسرته المحتاجة، يقول محمد بن إبراهيم السبيعي متحدثًا عن تلك التجربة: «كان أهل مكة يشربون من عين زبيدة، وكانت مهنة السِقَاية مهنة منظمة، حيث كان كل بازان – وهو المكان الذي يجلب منه الماء – له شيخ ينظم السقاية، فإذا تعدى السقاء، ولم يلتزم بدوره في السقاية، فإنه يوقف ويجلد في المرة الأولى عشرين جلدة، وتضاعف العقوبة كلما تكرر الخطأ، وكانوا يستعملون القِرَبَ والزفة؛ لنقل الماء على ظهورهم». بعد فترة من العمل المضني في السِّقاية مع عمِّه ناصر؛ أدرك السبيعي أن كسبه لا يتوافق وطموحه، ولا يحقق هدفه الذي ترك من أجله بقايا الروح في عنيزة.. باحثًا عن عمل أكثر ربحًا؛ ليسهم به في مساعدة أسرته، وليكون دخله موازيًا لتضحيته وتنازله عن إكمال الدراسة، وفي اليوم التالي، خرج من دكان عمِّه، يجرِّب الفرصة تلو الأخرى، فتقدَّم للانخراط في الجيش ولكنه لم يُقبل؛ لصغر سِنِّه؛ فتوجَّه إلى العمل بنَّاءً مقابل تسعة قروش في اليوم، واستمر على هذا الحال يكابد ويعمل بجهد يفوق إمكاناته العمرية بمراحل إلى أن توسط له أحد معارفه وهو إبراهيم الفريح – رحمه الله – للعمل في قصر الملك عبد العزيز مشرفًا على العمَّال بمرتب ريال مجيدي واحد في اليوم، وهو يساوي اثنين وعشرين قرشًا. وانخرط السبيعي في هذا العمل بجدٍ وإخلاص وتفانٍ، ولكنه في قرارة نفسه كان يتطلع إلى عمل أفضل. وفي عام (1349ه/1931م) أعلنت إمارة مكةالمكرمة بوساطة وزير المالية الشيخ عبد الله بن سليمان – رحمه الله – عن وظيفة بمسمى (مفتش طريق) لتفتيش الجمارك في قرية المسيجيد الواقعة بين مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة؛ فعمد ابن مسند للبحث عن سبعة أشخاص للعمل، وكان محمد بن إبراهيم السبيعي واحدًا ممن وقع الاختيار عليهم؛ فذهبوا إلى المسيجيد، وكان الراتب ثلاثين ريالاً في الشهر، بالإضافة إلى تأمين المأكل والمشرب والسكن، وهذا عرض مغري. بدأ السبيعي يشعر بالأمان مع الوظيفة الحكومية؛ فقد كان دخلها مناسبًا لأن يستدعي والدته وأخاه للعيش معه؛ ليُعنى بهما عن كثب، سيما وأنه بات اليوم قادرًا على إعالتهما وخصوصا أن الوظيفة الجديدة قد هيأت له السكن الجيد والراتب المجزي؛ لذا قرر أن يأتي بوالدته وأخيه عبد الله من منطقة القصيم؛ وخيرًا فعل؛ ليلتئم شمل الأسرة من جديد نشأ محمد البراهيم السبيعي، محبًّا للمغامرة غير هيَّابٍ ولا متواكل؛ لذلك لم ينتظر كثيرًا في هذه الوظيفة، بالرغم أنه لم يكن مضطَّرًا لأنْ يُغامر، فإذا به يقرر أن يعمل بالتجارة، وعزم على تركها؛ لأنها لا تلبي طموحه؛ آملاً في الحصول على عائد مادي مجزٍ يكفيه ويكفي أسرته الصغيرة، مؤونة الحاجة..؛ فاتخذ قرارًا صعبًا بالعودة إلى السوق، وترك الوظيفة الحكومية، ولكن عزاءه أنه لم يَعُد وحيدًا وهو يتنقل إلى مكةالمكرمة؛ بفضل توكله على الله ثم مثابرته الكبيرة وهمته العالية وخبرته بالسوق ومعارفه هناك؛ ما شجَّعه على الإقدام على هذه الخطوة..، وهي خطوة ليست غريبة على من يطالع مسيرة السبيعي العملية المظفَّرة.. انطلقت المرحلة الأولى عندما بدأ عمله التجاري في سوق الجودرية في مكة عام (1353ه/1935م) وقد كان عمره، حين ذاك، عشرين عامًا. وامتاز محمد السبيعي في تلك الفترة بالحيوية في أداء أعمال التجارة في الدكان، وعُرف عنه إنجازه المتقن لكافة أعماله التجارية، ثم بدأت المرحلة الثانية عندما أسس أهم شراكة تجارية في حياته مع سليمان بن غنيم رحمه الله عام (1354ه/1936م). واستمرت هذا الشراكة مع سليمان الغنيم حوالي (28) عامًا، وفي عام (1382ه/1962م) قررا الانفصال وطي صفحة التجارة بينهما؛ نظرًا لكبر الأولاد وكثرة الأعمال، وحُلّت الشركة بكل محبة ووفاء، واتفقا على أن تحل الشركة بوساطة صديقين، هما: سليمان بن إبراهيم القاضي؛ وعبد الله العوهلي، حيث تمت تصفية الشركة بكل أمانة ووضوح. ولأن تحديات التجارة ماضيًا وحاضرًا؛ تظل كما هي وإن تغيَّرت الأشكال؛ وتبقى المنظومة والأنظمة والضوابط التي تتحكَّم في عقل التاجر وطبيعة السوق؛ وروح المبادرة؛ ومعرفة النشاط؛ ودراسة السوق وجدواه؛ واكتساب الخبرات؛ لأن هذه الشروط من صميم العمل التجاري في كل زمان ومكان؛ استوعب محمد البراهيم السبيعي، هذه المفاهيم، وبدأ نشاطه، إيمانًا منه بأن التجارة يجب ألا تصاغ بالجمود..، وعندها استدعى أخاه عبدالله بعد أن أنهى دراسته ليبدآ حياةً أخرى مع التجارة.. هذه المرة بدآ بفكرة العمل المؤسسي عندما اتجهوا بالانتشار من خلال العقود الحكومية التي التزموا بها مع وزارة المالية لتزويدهم بالزي السعودي الرسمي.. بعدها بدأت فكرة التنوع في التجارة، فاقتحم السبيعي بمساعدة أخيه عالم الصرافة، مستثمرًا توافره في مكة وتنوع عملاتها في موسم الحج، واكتسابهما من خلال التعامل معهم آفاقًا واسعة واطلاعًا كبيرًا على ثقافات الشعوب وطباعها وكثيرًا من عاداتها؛ وعقب أن تراكمت خبراته المستمدة من عمه ناصر وتجار مكة, قرَّر تأسيس كيان مؤسسي استثماري في مجال الصرافة، وكان ذلك عام (1357ه/1938م)؛ فأسس السبيعي مع أخيه عبدالله (شركة محمد وعبدالله البراهيم السبيعي للصرافة والتجارة) وتولَّى محمد السبيعي رئاسة مجلس إدارة الشركة فيما تولى أخوه عبدالله منصب نائب الرئيس؛ فأدرك بذكائه وبُعد نظره أن تجارة العملات، ستزدهر في تلك الفترة بعد ضم الحجاز تحت راية الدولة السعودية، وقلَّت أطماع الأشراف والعثمانيين فيه، وقد لمح بذكائه التجاري فرصةً استثماريةً جديدة تلوح في الأفق، وتوقَّع ولادة قطاع الصرافة، وتنبأ بظهور هذا القطاع الجديد الذي لم يفطن له إلا القليل من رجال الأعمال حينها، وخصوصًا أن مكةالمكرمة – زادها الله تشريفًا – تشهد وفود آلاف الحجاج والمعتمرين طوال العام من جنسيات مختلفة، ثم توسعت تجارتهما بعد أن انتقلت إلى جدة؛ لتشمل أنشطة متعددة مثل الصرافة و العقار و المواد الغذائية و المقاولات و تجارة المواشي والأقمشة. وكانت رحلة محمد السبيعي مع العطاء والكسب والتدبير، جامعةً لأكثر من قصة، حرص خلالها على تطبيق المبادئ الإسلامية الشرعيّة الحميدة، كقاعدة تعاملاته في التجارة. كما كان للصدق والأمانة و المحافظة على سُمعته التجارية والحرص على خدمة العملاء بتميز من أساسيات عملهما وأس قيمه. وتتوزع هذه الرحلة على حكايات صغيرة، كل منها يمكن أن تكون ذات قيمة أو دلالة أو إشارة إلى معنى في الكفاح والنجاح والنبل؛ كونها تجسّد صورة واضحة للأمس القريب من ناحية، وعلامة مهمة على المواجهة مع ذلك الزمن الغلاب مع كل تواريخ التحدي والصبر من ناحية أخرى، وتعبِّر، في الوقت نفسه، عن ذلك الجيل الذي عرف معنى الشدِّة والرخاء وعهد الحياة بوجوه الضرَّاء والسرَّاء؛ ليعكس بذلك للأجيال اللاحقة تجربة متكاملة لمن أراد أن يستفيد من هذه التجارة الثرَّة. وتنوع نشاط شركة محمد وعبدالله البراهيم السبيعي التجارية وتوسع بازدهار، حتى بات اسم محمد بن إبراهيم السبيعي، رقمًا صعبًا في عالم المال والأعمال فخلال ثمانين عامًا انتقل من متجر صغير إلى شركات رائدة عملاقة، في الخدمات المصرفية والاستثمار والتطوير العقاري والبتروكيميائى والتجاري وأيضًا الخيري..؛ وتجارة المواد الغذائية والأثاث المكتبي والمنزلي والأقمشة ومواد البناء، وكذلك دخلت في مجال الصناعة والأسهم، وكانت الشركة – بفضل الله – في الأوساط التجارية مثالاً للأمانة والصدق، وتعد نموذجاً يُحتذى في العلاقة الإيجابية بين ملاَّك الشركات العائلية في المملكة والخليج العربي. كانت المرة الأولى التي فكر فيها السبيعي بتأسيس بنك إسلامي متكامل حينما اقترح عليه الملك خالد بن عبد العزيز عام (1398ه/1978م) فكرة تحويل مؤسسة محمد وعبد الله السبيعي للصرافة إلى بنك مستقل ومتكامل وحديث يوازي تطور العمل التجاري والمصرفي في المملكة, وظلت هذه الفكرة الخلاقة تنضج وتكبر وتتبلور في ذهن محمد السبيعي حتى حانت الفرصة وجاء التوقيت المناسب لتنفيذها. وقد شكَّلت شركة السبيعي للصرافة الدخول الرسمي في قطاع الخدمات المالية في أوائل القرن الحادي والعشرين، ثم نمت الشركة حتى باتت واحدة من أكبر 50 شركة في المملكة. وتشمل استثماراتها حاليًا الخدمات المالية والعقارات والزراعة (تربية الأحياء المائية)، والتصنيع والأنشطة الصناعية وتجارة التجزئة، وعند ذلك كانت اللحظة مواتية لتطبيق فكرة تأسيس بنك البلاد الذي يعد أحد أكبر البنوك الإسلامية في المملكة العربية السعودية؛ ساعد على ذلك، متانة الوضع الاقتصادي في المملكة، المشجع على الاندماجات والتكتلات القوية الاقتصادية القادرة على مواجهة مثيلاتها محليًّا ودوليًّا. في مطلع القرن الواحد والعشرين، سعت عائلة السبيعي إلى التحول من الجيل المؤسس إلى الجيل الثاني. واتبعت في هذا الخصوص نهجًا يعزِّز محفظتها الاستثمارية جنبًا إلى جنب مع الحفاظ على قيمها الأصيلة التي جعلت منها وجهة يقصدها الكثير من المستثمرين في المملكة وفي المنطقة عمومًا؛ حيث قرَّر محمد السبيعي وأخوه عبدالله عام (1430ه/2010م)، الإشراف على قيام أبنائهما بتقسيم الثروة والممتلكات والأسهم والعقارات، بكل سماحة ومودة التي كانت ملكيتها القانونية مشتركة ومتداخلة بين الشقيقين طوال مسيرتهما التجارية المشتركة التي ناهزت الثمانين عامًا تقريبًا، زينتها المحبة الأخوية والإيثار والإخلاص والجهد والتفاني والمثابرة والعصامية المبنيّة على القيم الإسلامية الأصيلة التي حرصوا على غرسها في أبنائهم وجميع موظفي الشركة العاملين معهم. وقد كلف محمد السبيعي ابنه (ناصر) بتمثيله في إجراءات الفصل والتقسيم, وأوصاه وشدَّد عليه بالتسامح واللين, وطالبه بالحرص على حفظ حقوق الأخوة واستدامة المحبة مع العم وأبنائه. وقد قام الأبناء بإجراءات التقسيم بطريقة أخوية ملؤها الثقة والمحبة, وعنوانها الوفاء والإيثار, وانتهوا من إجراءات القسمة في شهور قليلة معدودة دونما حاجة إلى تحكيم أو قضاء أو ما شابه, وقد رويتْ هذه القصة كاملة في كتاب:(محمد إبراهيم السبيعي ..رحلة الفقر والغنى). وبعد انتهاء التقسيم؛ اتخذ السبيعي قرارًا آخر بإنشاء شركة استثمارية تمتاز بالإدارة المهنية باسم: شركة محمد بن إبراهيم السبيعي وأولاده للاستثمار(ماسك)، عام(1430ه/2011م)، شركةً استثماريةً مهنيةً وأبقت على تمسكها بقيمها العائلية العريقة وفي مقدمتها الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية. وقد ركزت على البحث عن الفرص الاستثمارية الجديدة في الأسواق المحلية والإقليمية والعالمية من أجل تحقيق النمو الأمثل. واستعانت بخدمات كبريات الشركات العالمية في مجال الاستشارات الاستراتيجية لمساعدتها في هذا التحول. خلال هذه الفترة وعلى زهاء ثمانية عقود، أثبت محمد بن إبراهيم السبيعي ذاته وحضوره من خلال إتقان عمله الجاد وقوة شخصيته، وموهبته وذكائه الفطري، فضلاً عن أمانته ونزاهته؛ وصبره ومثابرته ودرايته بالسوق وتحمُّل ردود أفعال الأزمات وإدارتها بروية وتدبير؛ ليصبح رقمًا صعبًا في مجال المال والأعمال السعودي؛ وأحد أقوى الشخصيات الاقتصادية المهمة إقليميًا وعالميًا؛ ونموذجًا للتعايش مع التغيرات الطارئة للمجتمع السعودي الناتجة عن الطفرة الاقتصادية. كما برز دوره الاجتماعي والخيري, رائدًا وملهمًا للعمل الخيريّ في المملكة العربية السعودية، بعد تتويج مسيرته الريادية؛ بإنشاء (مؤسسة محمد وعبدالله السبيعي الخيرية)؛ ليحدث نقلة نوعية في العمل الخيريّ باحترافية ومهنية عالية، تقدِّم للمحتاج والمعوز خدمات متخصصة وفق آليات مقننة تكفل له الرعاية الدائمة وتسهم في إيجاد حلول ومعالجات جذرية لمشكلة الفقر. ومن خلال رصد تجربة محمد البراهيم السبيعي في الحياة وتأمّل موقعه الريادي في عالم المال والأعمال؛ تبرز للناظر سماته الشخصية المؤثِّرة؛ وإرادته القوية، ومواهبه الفطرية ومخيِّلته المبدعة، التي قد لا تتكشَّف قدراتها فقط في التعامل والتشابك مع معطيات الواقع القريب؛ بلْ تتجاوز ذلك إلى آفاق رحبة وواسعة, إن تجربة محمد ابراهيم السبيعي هي تجربة ثرية لرائد من رواد الأعمال، اخترقت الحدود والطموحات الضيقة إلى آفاق واسعة من النجاحات المتوالية وما تزال هذه التجربة إلى اليوم، ملهمةً للكثير من شباب الأعمال الطامح إلى فرصة تحت الشمس. يؤمن صاحب هذه التجربة أن طريق النجاح يبدأ بفكرة، ولربَّما بواقعة ما، تقدح في نفس صاحبها مبادرةً أو مشروعًا، سيما حينما تهب الأفكار على ذوي العقول الذكية، تعرف كيف تقتنصها، وتترجمها إلى (فعل)، و(واقع)؛ لأن فعل الإبداع، هو ذلك الجسر الذي يربط ما بين الفكرة والواقع..، ويحوِّل الخيال إلى وجود، والفكر إلى واقع والحُلم إلى حقيقة..! إنها تجربة حياة فريدة زاخرة بالعبر والدروس التي مرَّ برها محمد البراهيم السبيعي، في مشوار العمر، ورحلة السنين الطوال، تلك التي بدأت من عنيزة مرورًا بمكةالمكرمةوالمدينةالمنورةوجدةوالرياض، ختامًا بربوع المملكة العربية السعودية كافةً.. تحمل في طياتها هكذا حياة كل ما يُعجز أبناء اليوم؛ ويبطل أسبابهم الواهية في التعلُّل بأوهام الرفاه ورغد العيش التي تقف حجر عثرة من تحقيق مصائرهم والإمساك بمستقبلهم بكل فخر ليسطِّروا تجربة حياة مشابهة، عن قناعة وجدارة وتحد..!