اعتدت أن أمنح القراء الأمل ولكن تقتضي الصراحة التنبيه للواقع مهما يكن مُرًا ،وكلماتي تكتسي مسحة حزن فلنتشارك الإحساس بمآلات المستقبل فقد لا يكون كما نأمل ونتمنى . واهتمامي بالاقتصاد يدفعني أن افترض بأن المهتمين والنافذين بمنطقتنا العربية إما أن يسهموا في مستقبل واعد أو العكس ،ومن أسف أن أغلبهم ينتمون لمدرسة اقتصادية لا تختلف إلا في الدرجة عن التي يؤمن بها دونالد ترامب وكلينتون وباراك أوباما وجورج بوش فلدى هؤلاء إيمان عميق بأن أفضل طريق لإدارة الاقتصاد في أي بلد أن يتم تعميم مفاهيم السوق الحر باعتبارها أفضل أداة لتحريك معدلات النمو والقدرة على تصحيح الواقع الاقتصادي ،ولن يفيد أن تقول إن وقائع التاريخ الاقتصادي يجعل محصلة تحرير الأسواق أزمات متلاحقة واضطرابات اجتماعية وأن توجهات هذه المدرسة حققت دائماً عكس مقاصدها المعلنة. هذه المدرسة تسعى بكل ما أوتيت من قوة لتكريس مصالح من يساندون شعاراتها ، وهي بالنسبة لهم مجرد أداة لتحقيق تلك المقاصد بدون (بلبلة) ،وأتعمد استخدام الكلمة الدارجة لأحمِّلها بالمعنى الذي يعبر عن تلك المقاصد، فأجندات تحرير الأسواق عملياً تنقل الثراء من فئة لفئة بسلاسة تماثل جريان المياه ولهذا تتضخم جيوب قلة نافذة في العالم بدون ردود فعل وإن حدثت ردود أفعال فسيتم التلويح بكرباج التسريح عن الخدمة في وجه الأيدي العاملة ، وفي الغرب بالذات لهذه المدرسة تأثير في متخذي القرار مثلما لها مهاراتها في قلب الحقائق لدرجة تجعل المتلقي يعتبر الجشع أمراً مشروعاً، والاستغلال شطارة، لا عجب أن صار عدم الاهتمام بضحايا سياسات تحرير الأسواق ممارسة مقبولة وشائعة. لكن من حقائق التاريخ أن الجشع يعمي البصر، لهذا يغيب عن هذه الإستراتيجيات أنها إن نجحت في مكان لا تنفع فى جميع الأماكن ،والتجارب كتاب مفتوح للعظة والعبرة ،وقد تعلمنا من روشتات ونصائح شركات ك «ماكينزي» بأن الدعوة لتحرير الأسواق أولوية ثابتة لهذا نصحت مصر باتخاذ قرار مدهش ما بعده لأن تحرير سعر الجنيه مخاطرة معلومة في اقتصاد هش ،ولو كان المبرر الوفاء بشروط الحصول على تمويل مقوم ربوياً ، بالطبع لا يتوقع اختيار صكوك إسلامية ولكن الخطوة عرفت كوصفة للاضطراب الاجتماعي فنسأل الله أن يحفظ تلك البلاد وهذه البلاد ومليكها وشعبها وسائر بلاد المسلمين ،فالخطوة المصرية ستدفع لخطوة تالية قد يملي فيها الممولون شروطاً قاسية وقد يطلبون ضمانات قد ترهن القرار الاقتصادي ،وليس ببعيد أن يتم التآمر على أي اقتصاد عربي بما في ذلك المملكة لأن المخططات نسخة واحدة تسعى لاستعادة ما فقدت الشركات العابرة للحدود بالاستحواذ أو البحث عن ما تحت الأرض أو المنافسة في إدارة الموانىء أو عبر أي أهداف معلنة مثل تطوير الأداء وزيادة الفعالية ورفع إنتاجية ولكنها تظل تخفي أجندة تجعلها كلمات حق أريد بها باطل ..من هنا تأتي أهمية الوعي بهذه المخططات الخبيثة حتى لا تكون خصماً لمستقبلنا الاقتصادي.