في الفيلم الشهير (ساحر مدينة أوز)، الذي صدر عام 1939، تلتقط دوروثي تفاحة، فتعترض شجرة التفاح قائلة: «كيف سيكون شعورك إذا جاء أحدهم وقطف جزءًا منك؟»، تخجل دوروثي وتعتذر «سامحيني، أنسى في كلِّ مرَّة أنَّي لم أعدْ في مدينة كانساس». يذكر ستانلي فيشر الكاتب في صحيفة النيويورك تايمز أنَّ ما تقصده دوروثي هو أنَّ الإعصار قد سحبها (كما يُظهر الفيلم) نحو كونٍ آخر، لا توجد فيه هذه الفواصل البنيويَّة بين الشخص والشيء، وبين الحيِّ والجماد، بين البشر والعالم الطبيعي الذي يسيطرون عليه. في كانساس، يتمُّ التقاط الفاكهة من الشجر، لكن البشر بخلاف الأشجار لهم استقلالهم وكرامتهم التي لابد أن تحترم، الشخص حين يتعرض للتشويه في عضو من أعضائه، فله الحق بالمطالبة القانونيَّة، لكن الشجرة التي يتم قطعها لا يمكنها قانونيًّا أن تقاضي أحدًا. سيطرة البشر على الأرض والكائنات قنَّنها الدِّين تحت مفهوم الخلافة، وهو تصوُّر راقٍ لعلاقة البشر مع الطبيعة، يقوم على التبادل الصحي للمنفعة، واعتبار لدورة الحياة. لكن بالعودة إلى فكرة السيطرة في صورتها الخام دون التقنين الدِّيني نجد أنها تُقرِّر أن المركزيَّة الوجوديَّة لكائن ما هو أمر يسبقه أو يتبعه افتراض ضروري أن محيط هذا المركز يتطلَّب وجود كيانات لا تقوم بذاتها، وأخرى مهمَّشة أو معتمدة على المركز أو مشيئة له. وكم احتوت هذه المنظومة على جماعات تتضمَّن الأطفال والنساء، والسود والعبيد، وغيرهم عبر التاريخ، بالإضافة بالطبع (للكائنات الدنيا)، كما تقرر فكرة الطبقيَّة الدارونيَّة، من حيوانٍ وشجر. لو اعترفنا بعد طول نقاش بفساد هذه المنظومة، هل تكفي الرغبة والنيَّة الحسنة في أن نُوسِّع إدراكنا لذواتنا المتمركزة لتشمل كل هؤلاء؟ دوروثي لم تنسَ حقيقة أنَّها ليست في كانساس، ليست المشكلة في ذاكرتها إنَّما المشكلة في وعيها الذي امتلأ بافتراضات حول طبيعة تصنيف العناصر في عالمها من مخلوقات عُليا ذات قيمة ذاتيَّة، ومخلوقات غير جديرة بالاحترام، أو عديمة الفائدة، أو حتَّى لا تستحق الشفقة. الموضوع واسع جدًّا، فناهيك عن تصنيفات البشر، ماذا عن الكلاب، والسحالي، والأحجار، وينابيع الماء، والصراصير؟ عدد لا يمكن حصره من الأشياء التي لابدّ من إعادة تصنيفها ليتم التعامل معها بأخلاق. لكن الحقيقة أنَّه لا يمكننا التفكير في كل شيء، ومهما استجبنا لنصائح توسيع الأفق، واحترام الطبيعة، واعتنقنا الفكر الحقوقي، فلا يمكننا التنبؤ بأفعالنا كاستجابة أخلاقيَّة لما نؤمن به في كلِّ مرَّة، والسبب أنَّ الأفكار ليست عضلات مرنة، كما يقول ستانلي فيشر، يمكنها أن تتحمَّل عددًا لا منتهي من الاعتبارات المفردة، بل إن الذهن يتركب من هياكل تتغيَّر بتغيُّر المنظور الذي ليس سوى بنية مجتمعيَّة، «فلا يهم عدد الأشياء التي تراها، بل ما يهم هو كيف تراها لتتعامل معها». رغم أن وجود الإدراك الأخلاقي في صورة هياكل إدراكيَّة تُشكِّل المنظور قد يجعلنا نظريًّا نتمكَّن من تطبيقات أخلاقيَّة لعدد لا متناهٍ من الأمثلة، لكن المحدوديَّة ربما تكمن في عدد هذه الهياكل التي يمكن لذهنٍ واحد تحمّلها. لذلك مهما استقوت الحركات المجتمعيَّة، مثل حقوق المرأة والطفل والحيوان ومنظمات البيئة وغيرها، فالتغيُّر المجتمعي لن يمس سوى زاوية بسيطة من المساحة الكونيَّة لوعي الفرد. ربما هذا ما يُفسِّر عجزنا الدائم في تطبيق ما نؤمن به حقًّا! يتساءل فيشر: هل لابد أن ننتظر أن تُكلِّمنا شجرة، لتتفتح بصائرنا كما حدث مع دوروثي؟!