كثر ما أرسلت إلى المسؤول عن صفحة الرأي، أو أرسل غيري من الكُتَّاب رسالة تقول: «الرجاء نشر هذه المقالة هذا الأسبوع، وتأجيل ما لديكم للأسبوع الذي يليه». وقد يؤجِّل ما الذي يليه، الذي يليه، وهكذا، ذلك أن حال الكاتب الأسبوعي أصبحت كحال خراش. تكاثرت الظباء على خراش فما يدري خراش ما يصيد. نعم، لا نعلم ما نصيف في خضم هذه الأحداث الجسام، التي يشهدها العالم كلّه دون استثناء، ومنطقتنا على وجه التحديد، التي هي حبلى بكلّ الأجنة المشوَّهين، وما تلبث تلد المسخ تلو المسخ، ولله المشتكى. بالأمس فقط، شهدنا حدثًا إرهابيًّا إجراميًّا غير مسبوق، قتل في دهس، وقتل ما يقرب من مئة من الأبرياء، وجرح وإصابة عدد مماثل، في حادثة إجراميَّة دموية غير مسبوقة، ارتكبها مخبول مخمور، انعدمت عنده كل المعايير الإنسانيَّة قبل المعايير الدينيَّة والأخلاقيَّة، وثبت أنَّه لا ينتمي لأيّ فصيل متطرِّف، أو جماعة ضَّالة مجرمة، كداعش -قاتلها الله-، أو القاعدة -أقعدها الله-، أو سواهما، وقبل ثبوت ذلك، وفور وقوع الحادث الأليم سمعنا رأس الهرم في فرنسا يوجِّه الاتِّهام إلى «الإرهاب الإسلامي»!، ويتوعّد «الإرهاب الإسلامي» بالثبور وعظائم الأمور!، ثمَّ صرح مسؤول أقل منه درجة أن التحقيق جارٍ، لمعرفة الملابسات، فكان أكثر تعقلاً وأناةً، وسرعان ما عُرف الجاني، ونُشِرت صحيفته، وعلمنا، وعلم العالم كله أنَّه ليس منتميًا إلى أيِّ جهة متطرِّفة، بل هو مجرم، سيئ السمعة، مدمن على الكحول والمخدرات، يعاني من مشكلات اجتماعيَّة معقدة، وناقم على المجتمع الفرنسي، كما ينقم الكثير من المهاجرين المهمَّشين المضطهدين العاطلين عن العمل في فرنسا. وكما ذكرتُ في مقالة سابقة أنَّ تنظيم داعش الإجرامي يبادر إلى نسبة أحداث كتلك إليه، من باب الدعاية الإجراميَّة، وقد فعل في حادثة نيس، بعد وقوعها بأيام، ولكن لم يصدّقه أحدٌ بالطبع. وبعد حادثة نيس بليلة واحدة فقط، ولم نستطع النوم فيها بالطبع، حدث ما هو أفدح، وأخطر، وأنكى بلاءً في الليلة التالية مباشرة، فلم نستطع النوم كذلك، فقد حاولت شرذمة من الجيش التركي الانقلاب على الحكومة الشرعيَّة المنتخبة، وإلى ساعة متأخِّرة من الليل بدا الأمر وكأنَّه نجاح للانقلاب -لا قدر الله- ولم يتسنَّ النوم لنا إلاَّ لسويعات لنصحو ونسمع الخبر السعيد بأن الانقلاب قد فشل -ولله الحمد والمنَّة- وأعادت الحكومة الشرعيَّة إحكام قبضتها على مقاليد الأمور، وقُبض على الانقلابيين، وأحيلوا للمحاكمة، وفرَّ عدد قليل منهم في مروحيَّة إلى اليونان، وعادت حكومة أردوغان أقوى ممَّا كانت عليه، إذ ثبت -بما لا يدع مجالاً للشك- التفاف الشعب التركي حول قيادته، فبمجرد دعوة القائد المسلم لشعبه أن ينزل أبناؤه إلى الشوارع، في ظلمة الليل، ويتصدوا بصدورهم للدبابات والمدافع، لم يتوانَ تركي واحد عن الاستجابة، ووجدنا كل الأتراك (شيبًا، وولدانًا، ونساءً) في كل شبر من الأراضي التركيَّة يحملون الأعلام التركيَّة الحمراء بهلالها الزاهي، يخرجون الجنود من الدبابات، ويقتحمون كلَّ المقار التي احتلها الانقلابيون، ويملأون كل الساحات والميادين، هاتفين لحكومتهم، ورئيسهم، وبذلك عادت المياه إلى مجاريها، وعلى العكس ممَّا كان مرتقبًا عرفت تركيا عدوّها من صديقها، وبدأت عهدًا جديدًا من القوة والاستقرار والتمكين. حدثان يبدوان مختلفين، ما حدث في نيس، وحدث في تركيا، ولكن القاسم المشترك بينهما هو العداء للإسلام السنّي من قِبل القيادات الكبرى في العالم الغربي، وعلى وجه التحديد تصميم الغرب على التخلّص من أي مبادرة إسلاميَّة سنية قوية، وإتاحة الفرصة للفرس، ومَن شايعهم للهيمنة على المنطقة، {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}. [email protected]