التفاؤل مطلوب في كل الأحوال؛ لكن لابد من مزجه بكثيرٍ من الواقعية حتّى يصبح مقبولاً ومهضومًا! تذكَّرت ذلك وأنا أقرأ في (الحياة 13 مايو) تصريحًا لمعالي وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية خلال ترؤسه اجتماع وزراء الصناعة في دول مجلس التعاون الخليجي يوم 12 مايو، إذ أشار إلى توقّعه زيادة الاستثمار الصناعي الخليجي إلى تريليون دولار عام 2020 مقارنة بأقل من ثلث ذلك حاليًّا (323 مليار دولار). كيف سيتم ذلك يا باش مهندس خالد؟ هل يُعقل أن تبلغ استثمارات دول المجلس منذ إنشائه قبل 35 سنة 323 مليار دولار، ثم تزداد خلال أقل من 5 سنوات إلى ألف مليار! صدّقني لو أردنا التخطيط فقط لهذه الزيادة التي تتجاوز 200% لاحتجنا 5 سنوات على الأقل فقط للدراسات والتصاميم، وإعادة التصاميم، ثم العقود والبحث عن شركاء أجانب من الغرب، أو الشرق كي ينقل التقنية إلينا إضافة إلى المعرفة knowhow. وحقيقة أخرى هي انخفاض أسعار النفط بشكلٍ مؤلم للجميع، ممّا يعني تراجع قيمة المبالغ التي يمكن أن تُستثمر في دعم أي مشروعات صناعية كبرى. ثم هناك نقطة أخرى مهمَّة جدًّا هي البيئة الحاضنة لأيّ استثمار نوعي أجنبي يغري بضخ مليارات كثيرة في اقتصادنا الوطني! لا يزال يا معالي الوزير قدر من التشريعات، والإجراءات، والآليات، ومؤشرات الأداء، وكفاءة التشغيل دون المستوى الذي يأمله المستثمر. دعني أُذكِّر معاليك بمُؤشِّرٍ واحد، هو بطء عملية التصدير من ميناء جدة الإسلامي مقارنةً بميناء دبي مثلاً. هذه الأوقات الضائعة، وهذه البيروقراطية المستعلية المتمكنة، وهذا التراخي الممتد لا يسمح للمستثمر إلاَّ بشدّ شعره والرحيل من توّه. التفاؤل عادة حسنة لكنّها محبطة إذا كانت تسير عكس تيار الحقائق الواقعة أو الصادمة أحيانًا. شخصيًّا أتمنى أن تكون بلادنا الأولى على مستوى العالم صناعيًّا، ونفطيًّا، واقتصاديًّا. لكن الأحلام الكبيرة مقرونة بالممارسات العتيقة لا تسمح لي بتجاوز حدود المنطق، والمعقول، والمهضوم. [email protected]