بصراحةٍ مطلوبة في إطار الاعتراف بالحقائق والبحث عن وسائل التعامل معها، كتب عبد الرحمن الراشد مقالاً تضمن العبارة التالية: «طالما أن المشروع الروسي يقوم على فرض حل سياسي بالقوة، بتنصيب الأسد وتسليم إيران المنطقة، فإن واجب دول المنطقة على الجانب الآخر تغيير مفهوم دعمها للمعارضة، برفع مستوى تسليحها.. رفعُ دعم المعارضة قد يكون الطريق الوحيد لتحقيق التوازن على طاولة التفاوض. دون ذلك من الأفضل توفير الوقت، بتسليم الإيرانيين المهمة، ونقل المفاوضات إلى طهران، وتكليف جماعتها بحكم سوريا». ثمة مؤشرات عديدة تؤكد بأن القضية السورية تواجه لحظةً حاسمة في الأسابيع القليلة القادمة. وحين نأخذ بالاعتبار حجم الجهد السياسي الذي تبذله السعودية، وغيرها من دول الخليج، لدعم موقف الشعب السوري ومعارضته، وطبيعة الاستحقاقات التي تتحملها في سبيل ذلك، سياسياً وأمنياً واقتصادياً، يُضحي الحديث طبيعياً عن جملةٍ من الإجراءات والقرارات التي قد تُعتبر (تكميلية)، مقارنةً بكل ذلك الجهد الكبير، لكنها في غاية الضرورة لضمان عائد الاستثمار المُكلف، بكل الحسابات، في هذا المسار. أن تجتمع كل الفصائل السياسية والعسكرية المؤثرة للمعارضة السورية في الرياض، وأن توافق مجتمعةً على مسارٍ للحل السياسي من خلال وثيقةٍ مكتوبةٍ وقعَ عليها الجميع. وأن يحصل هذا بجهد السعودية وإشرافها، ويتم في إطار التزامها برؤيةٍ توافقت عليها، في فيينا، كل الأطراف المؤثرة في الوضع السوري. هذا المشهد، بكل عناصره، إنجازٌ استراتيجيٌ يجب أن يعتبره الجميع اختراقاً حاسماً في المسألة السورية. ومن الهزلِ في مقام الجد أن يَنظر إليه البعض باستخفاف، كأنه مجرد عمليةٍ استعراضية، أو أسوأ من هذا، على أنه (توظيفٌ) للسعودية لخلق واقعٍ يسمح بتمرير اتفاقات جانبية، ترمي لتحقيق أهداف تتعارض كلياً مع أهداف السعودية في هذا الموضوع. نفهم الملابسات المعقدة المُحيطة بالقضية السورية، والتغيرات المتسارعة المتعلقة بها، والتشابك الهائل في خيوط المصالح الإقليمية والعالمية، العاجلة والآجلة، وماينبني عليها من توازنات في التحالفات والعلاقات. والواضح أن السياسة السعودية تدرك الحقائق المذكورة، أكثر من غيرها، وتتعامل معها بدرجةٍ عالية من المهارة السياسية التي تُولِّدُ مشاريع وممارسات مُبتكرة وخلاقة، يمكن القول إنها غير مسبوقة في الواقع السياسي العربي المعاصر.. وهي إذ تُصيب البعض بالدوار، وهذا أمرٌ محمودٌ أحياناً، فإنها تزرع، بهدوءٍ وتدرجٍ وشمول، الركائز والأسس المطلوبة لمرحلةٍ قادمة من الصراع السياسي على المنطقة، وربما فيها، بشكلٍ يأخذ بعين الاعتبار تجهيز كل أدوات ذلك الصراع ومقومات إثبات الوجود والتأثير فيه.. بكلامٍ آخر، رغم أهمية المسار الحالي المُعلن المتعلق بمفاوضات قادمة بين المعارضة السورية والنظام، واحتمالات حصوله فعلاً، إلا أن بدهيات التفكير السياسي توحي بإمكانية أن هناك أطرافاً تريد لهذا المسار أن يكون مجرد ساتر دخاني لشراء الوقت، في حين تعمل هي على خلق وقائع ميدانية وسياسية، محلية وإقليمية ودولية، يختلف هدفُها عن الهدف المُعلن للمفاوضات بشكلٍ جذري. لكن هذا لايتضارب، بالتفكير السياسي نفسه، مع الانتباه إلى ماتحدثنا عنه من إجراءات عملية تساعد على تكامل الأدوار وصولاً لتحقيق الأهداف المشتركة. وإذ تُدرك المعارضة السورية، خاصةً في إطارها الراهن، أبعادَ الصورة المذكورة أعلاه، غير أن واجبها يتمثل في التحضير الكامل والمحترف للمفاوضات وكأنها ستحصل دون شك، وفي تأمين جاهزيتها القصوى للدخول في مُعتركها الحساس. فرغم عملها الحثيث في هذا الإطار بكل قدراتها المتوفرة، وهذا أمرٌ نؤكدهُ من باب العِلم بالوقائع، غير أنه يحتاج إلى درجةٍ أكبر من الدعم اللوجستي والتقني في المجالات ذات العلاقة. ويصب ُّ في هذا المجال، من مدخلٍ آخر، ماأشار إليه الراشد في أول المقال من دعمٍ لقوى المعارضة العسكرية يتم من خلاله الحفاظ على حدٍ أدنى من التوازن الميداني المهم جداً كورقةٍ تفاوضية إن سارت عملية التفاوض، أو كواقعٍ يُبنى عليه إيجابياً إن مضت الأمور في اتجاهٍ آخر. صحيحٌ أن تعدد المسارات هو من ثوابت السياسة الدولية، وأن توازنات القوى هي التي تؤثر في المسار النهائي الذي سيتم اعتماده نهايةَ المطاف. لكن من ثوابتها أيضاً أن ثمة (أوراقاً) محددة يمكن استخدامها بحيث لاتبقى، فقط، مفيدةً مهما كان ذلك المسار، بل ربما ساعدت أصحابها على التأثير بقوة في تحديد وُجهتهِ وطبيعته. [email protected]