منتصف الأسبوع الماضي، نشر فهمي هويدي في الزميلة (الشرق) القطرية مقالاً بالعنوان المُتضمن في عنوان هذا المقال. في جملة المقال الأخيرة، نجد حمولةً من (المُصادرات) الكامنة فيها، تنطوي على قضايا ثقافية وحضارية وتاريخية. فبعد التأكيد على رغبته بعدم التقليل «من دور أحد»، شرح الكاتب ملامح غياب دور مصر ليصل إلى الحكم الحاسم «بأن مصر هي المشكلة وهي الحل».. ولكن، بالنظر إلى تاريخ مصر مع العرب وتاريخهم معها، فضلاً عن استقراء المتغيرات الكبرى الثقافية والاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي خلال العقود الماضية، قد تكون المقولة الأنسب الحديثُ عن مصر بوصفها «جزءاً من المشكلة وجزءاً من الحل». والعودة إلى فقرات مقال الكاتب تساعدنا على الشرح والتفصيل. فهو يطرح نظريته التي تضع اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979م في نفس خانة اتفاقية الروس والعثمانيين عام 1774، ويستخلص أنه، كما كانت الأولى سبب تدهور الدولة العثمانية، كانت الثانية «مؤشراً على بدايات الانهيار في العالم العربي» كما يقول. فقبل الاتفاقية المذكورة بكثير، ومن (نكبة) عام 1948 التي حصلت بوجود الجيش المصري إلى (نكسة) حزيران التي ربما أمكن اعتبارها هزةً حضاريةً حقيقيةً للعالم العربي بأسره، يعرف العرب أبطالها، وصولاً ل (انتصار أكتوبر).. نرى أمراً آخر. ثمة هنا مشهدٌ تاريخي طويل يتجاوز ماحصلَ عام 1979، ويُوضحُ كيف كانت مصر قبله «جزءاً من المشكلة»، وليس «المشكلة». ولكن، تأتي، في المشهد نفسه، إسهاماتُ المصريين في مجالات الثقافة والتعليم والأدب والفن والمعرفة والإدارة والقانون داخل مصر وخارجها، ويأتي دور الأفكار التي انتشرت في العالم العربي انطلاقاً من مصر، مع معلميها وأطبائها وخبرائها في كل مجال، لتُظهر كيف كانت مصر «جزءاً من الحل». بالمقابل، يمكن بشيءٍ من المتابعة للتغيرات التي حصلت، في دول الخليج العربي مثلاً، أن تلقي مزيداً من الضوء على معادلة المشكلة والحل. فالدول المذكورة لاتمثل «المدينة الفاضلة» طبعاً، كما هو الحال أيضاً مع مصر وكل بلدٍ آخر من اليابان إلى أميركا. وثمة قضايا كثيرة تحتاج إلى مراجعةٍ وتطوير وتجاوز فيها. لكن من الإجحاف إغفال دورها ك «جزءٍ من الحل» في كثيرٍ من المجالات. ثمة، مثلاً، أكثر من عشرة ملايين عربي يعملون في دول الخليج، وتحويلات هؤلاء تشكل عائداً أساسياً في ميزانية دول كثيرة. هذا في الاقتصاد. ورغم كل التحديات والسلبيات الممكنة دائماً، يُحسب للدول المذكورة الريادةُ في دخول العرب عالمَ تقنيات الاتصال والإعلام الحديث التي شكَّلت، ولاتزال وستبقى، جذور ثورةٍ كبرى في الواقع العربي الراكد. أما النموذج القيادي في المرونة الإدارية والتطور العمراني والانفتاح على الثقافات واستيعابها، كما هو الحال في مدينة دبي مثلاً، فأمرٌ بات معروفاً، حتى في ظل الحاجة، مرةً أخرى، إلى استكماله وتطويره ثقافياً واجتماعياً. وأخيراً، تبدو قيادة هذه الدول سياسياً بزعامة السعودية، في هذه المرحلة، للعالم العربي حقيقةً لاتحتاج لتوضيح. حتى لو كان لدى البعض تجاهَها ملاحظاتٌ، من التأكيد أن مثلها كان موجوداً لدور مصر القيادي للعالم العربي قبل عام 1979 وبعده. زبدةُ الكلام أن «المشكلة» في العالم العربي أعمق وأكبرُ بكثير من أن تُحصر في دولةٍ أياً كانت. وبدون قصد، سيكون هذا التركيز على ذلك (العنصر التفسيري) الوحيد مدعاةً لاستقالة الكثيرين من واجبهم، انتظاراً لعودة (البطل) إلى الساحة، مادام كل حلٍ في غيابه ناقصاً، كي لانقول عبثياً. وجديرٌ في واقعنا الصعب أن يتم تعميمُ هذه الرؤية الشمولية لمعادلة المشاكل والحلول، بعيداً عن الآمال والأمنيات في انتظارٍ (بطل)، قائداً كان أو حزباً أو دولةً أو شيئاً (واحداً) أياً كان. ففي حين يُصبح الخروج من النفق الراهن ممكناً جداً بتلك الرؤية لطبيعة المشكلة، وإبصار مداخل حَلِّها تالياً، سيكون ذلك الانتظار مثل انتظار (غودو) الذي قد لايأتي على الإطلاق. [email protected]