نستكمل ما أوردناه في مقال الأسبوع الماضي حول تعاملنا مع نفطنا ومنتجاته من حيث الترشيد والإسراف. وقد أشرنا إلى أن أي برنامج لترشيد الاستهلاك لدينا لن يكون له أثر فاعل إذا لم تكن هناك مراجعة لأسعار منتجاتنا النفطية بالمملكة. وأوضحنا بأن أسعار منتجاتنا النفطية، بُنيت على قاعدة أساسها «رفاهية المواطن» وليس على قاعدة التكلفة الحقيقية والأعراف المحاسبية. وبسبب انخفاض أسعار منتجاتنا، نشأت عوامل عديدة ساهمت في زيادة الاستهلاك الذي وصل إلى حد الإسراف والتبذير؛ ويمكننا فيما يلي الإشارة إلى أهم تلك العوامل: أولاً: نظراً لانخفاض أسعارنا عن بلدان الجوار، نشأت مشكلة ذات شقين: الشق الأول تهريب المنتجات من قبل أشخاص يتربّحون من فارق السعر. وهذا النوع من التهريب هو خيانة للوطن. وتعاقب عليه القوانين الدولية في كل مكان. أما الشق الثاني فلا يعتبر جرماً، أو تهريباً مقنّعاً، بل هو «استفادة» من الفرصة المتاحة. ويقوم به أصحاب سيارات النقل الكبيرة، غير السعودية، التي تنقل البضائع بين دول مجلس التعاون ودول المصدر، عابرة أراضي المملكة؛ فيحرص سائقوها على التزود الكامل بالوقود في قدومهم وقبل مغادرتهم. كما أن هناك مواطنين من جيران المملكة يحرصون على ملء خزانات سياراتهم من محطاتنا أسبوعياً. وفي كل هذه الحالات فإن تخفيض السعر من أجل «رفاهية المواطن» تطور ليشمل غيره، فأصبح دعم الأسعار يستفيد منه آخرون. والمحصلة هي هدر لموازنة الدولة بلا مردود وطني، بالإضافة إلى أنه هدر كبير لمنتجاتنا النفطية. ثانياً: انخفاض أسعارنا شجع على اقتناء السيارة، خاصة ذات الاستهلاك الكبير، وإدمان استخدامها حتى في التنقلات غير الهامة. ولا يخفى أن العامل الهام الآخر لاستخدام السيارة هو عدم توفر وسائل النقل العام في المدن كالقطارات بأنواعها، وخطوط الباصات المبرمجة. كما أن ثقافة المشاركة في وسائل النقل ليست ضمن سلوكياتنا التعاونية والإقتصادية والبيئية. فكل فرد يذهب لعمله في سيارته الخاصة، فيستنزف بها ثروتنا النفطية، وثروتنا المالية، ويستهلك الطرق، ويزيد من تلوث البيئة؛ ولو أن كل مجموعة استخدمت سيارة واحدة لتوفرت بصورة لافتة ثروات كثيرة مهدرة، ولتحسنت بيئتنا، ولأصبحت جيوبنا أكثر غنىً. في الوقت الذي نشتري فيه لتر الماء بريالين تقريباً، لا يبدو منطقياً أن ندفع نصف ريال للتر وقود السيارات رغم كل ذلك المجهود الذي صاحب استكشافه، واستخراجه، وتكريره، وإنتاجه، ونقله. هنا المقارنة مجحفة وغير منطقية. وهنا أيضاً يكمن الحل إن أردنا أن نوقف هذا الهدر والنزيف المستمر للمخصصات المالية للدولة، وللحفاظ على أطول عمر ممكن لثروتنا الوطنية الناضبة حتى تستفيد منها الأجيال القادمة. [email protected]