خلال الأسبوعين الماضيين قرأت العشرات من المقالات حول موضوع التحرش الذي أصبح هاجساً مقلقاً للجميع بعد أن ازدادت وتيرته في مجتمعنا. يمكن تلخيص ما كتب حول الموضوع في ثلاث نقاط: إدانة التحرش واعتباره جريمة في حق المرأة ضرورة وضع قوانين صارمة تردع المتحرشين لوم المرأة واعتبارها سبباً للتحرش وذلك لخروجها عن الحشمة واستفزازها لغريزة الرجل. وبغض النظر عن كون التحرش مجرد تصرف فردي أو ظاهرة اجتماعية، فالتحرش الجنسي في نظري ونظر القانون يعتبر جريمة وانتهاكاً لحرمة المرأة الجسدية والمعنوية كونها الطرف الأضعف في المجتمع الذي لا يعرف المرأة إلا باعتبارها فريسة لغرائز الرجل. وبحسب التعريف القانوني للتحرش فهو «الإمعان في مضايقة الغير بتكرار أفعال أو أقوال أو إشارات من شأنها أن تنال من كرامته وأن تخدش حياءه وذلك بغاية حمله على الاستجابة لرغباته أو رغبات غيره الجنسية أو ممارسة ضغوط عليه من شأنها إضعاف إرادته على التصدي لتلك الرغبات». إن هذا التعريف يبرز لنا عدة ملامح للتحرش/الجريمة. هذه المعايير هي: التكرار في المضايقة التصرف بالأفعال والأقوال وحتى الإشارات الغاية الجنسية لإشباع رغبة الشخص المتعمّد التحرّش أو رغبة الغير. من هنا يتضح أن فعل التحرش يعامل قانونياً باعتباره جريمة وتعدياً على حقوق الآخرين وهو بالإضافة إلى كل ذلك يعتبر إيذاءً متعمداً من الطرف الأقوى ضد الطرف الأضعف والذي غالباً ما يكون المرأة باعتبارها فريسة سهلة لا حول لها ولا قوة. أسوق كل ما سبق للرد على من يلقي اللوم في التحرش على المرأة كونها تستفز الرجل سواءً كان ذلك بطريقة لبسها أو تصرفاتها أو حتى حركاتها غير المقبولة اجتماعياً. وللتدليل على بطلان هذا التبرير الساذج يكفي أن نسوق الأمثلة الكثيرة للتحرش الجنسي الذي يقع على الأطفال وعلى الكبيرات من النساء ممن لا يثرن الغرائز . إن عقلية التبرير للتحرش والمتحرشين هي عقلية يمكن وصفها بعقلية لوم الضحيةvictim-blaming mentality وهذه العقلية هي مؤشر لمرض وخلل نفسي في التعامل مع الحقائق والمشكلات الاجتماعية، عقلية تلوم الضحية وتتغاضى عن المجرم. وهذا لا يمكن إلا أن يقودنا إلى المزيد من المصائب والأمراض الاجتماعية. إن التحرش جريمة بشعة وإيذاء متعمد يعاقب عليه القانون بغض النظر عن التبريرات الفجة التي تعامل المرأة باعتبارها فريسة يسهل الانقضاض عليها. والتحرش جريمة مدانة بغض النظر عن مسبباتها وإطارها الزماني والمكاني، والوقوف ضدها هو جزء من مناهضة العنف ضد المرأة بكل أشكاله.