قراء عمودي المتواضع هذا، لابد أنهم يعلمون أن الضرائب في أي بلد تعتبر جزءاً أساسياً من إدارة الاقتصاد الحديث وأنها تُسن لاهداف عديدة كإعادة توزيع الثراء، تحفيز ورفع الإنتاجية، تغيير سلوك سلبي داخل الاقتصاد كالسرعة والتلوث أو لتقليص القوة الشرائية والطلب الكلي أو لمكافحة التضخم وأسباب أخرى عديدة ولكن ليس من أهداف الضرائب بأي حال بأن تصبح مصدراً للتمويل، لأن فكرة الدولة السيادية تنفي ذلك، فالدولة من قبل أن تستقطب ريالاً واحداً من داخل الاقتصاد، عليها أن تصرفه أولاً، بحكم أنها تحتكر إصدار العملة الوطنية، وعليه فمن المنطق أن تصرف الدولة ثم تأخذ، وما تأخذه توظفه للعمليات من مخالفات وإصدار الجواز ورخص وسجلات تلك هي طبيعة المال السيادي أو (الفيات) .وحيث أن المملكة أنعم الله عليها بنعم من باطن الأرض وظاهرها وأنزل عليها بركات من السماء، فلا عجب أن انتهجت عدم أخذ ضرائب دخل شخصي مباشر وإن كان هناك ضرائب غير مباشرة تتمثل في تكاليف البضاعة وهي لا يراها المستهلك وأيضاً تكلفة التمويل وتكلفة النقل والموانىء والجمارك والخدمات العامة الأخرى التي يدفع مقابلها ريالات ولكنها كضرائب لا تعتبر دخلاً للدولة السيادية.والشاهد أنه متى قررت الدولة وضع ضرائب مباشرة على الأفراد فإنها ليست للتمويل بقدرما هي سياسات اقتصادية وفي المقابل الضرائب تُحدث تغييراً جذرياً في العلاقة بين دافع الضريبة وبين القطاع العام أو بين الوطن والمواطن ،فالتاريخ الاقتصادي أثبت أن دفع الضرائب يشجع الأفراد للإصرار على الشفافية لأن أخذ مال فرد سيدفعه تلقائياً لمعرفة وسائل صرفه لأنه ببساطة يفترض أن ما أخذ منه كان سيستخدمه في أغراضه الشخصية وفي ذلك تغيير سياسي اقتصادي جذري.وفي المُجْمل أن كل ما يدخل خزينة الدولة السيادية بعملتها الوطنية ليس دخلاً بالمعنى الذي يتبادر للذهن، ولكن هذا لا ينفي حق الدولة في تفعيل سياسات ضرائبية على مواطنيها ولكن في كل حال الضريبة ترتب تفعيل الشفافية ومنها تلبية تطلعات الفرد في المطالبة بالاطلاع وربما المشاركة في وضع أولويات التنمية الاقتصادية على النحو الذي نشاهد في تجارب غربية.