فيما يشبه إعادة تطهير بقايا جرح قديم، انطلقت يوم الأحد الماضي الحملة الأمنية التفتيشية التصحيحية الثانية، لاستكمال نتائج العملية الجراحية الهامة، التي نفذتها الحملة الأولى، ولكن هذه المرة بآليات جديدة تهدف إلى تعقب مخالفي نظامي الإقامة والعمل، وتطبيق العقوبات المنصوص عليها بحقهما وبحق كل أطراف المخالفات سواء كان العامل المخالف أو من يقوم بتشغيله أو التستر عليه من المنشآت أو الأفراد. ومع ما لاقته الحملة الأخيرة من قبول وترحيب كبيرين في أوساط المواطنين ووسائل الإعلام المختلفة، حيث تمنى الكثيرون أن تتواصل تلك الحملات ليتدثر بها المواطن طوال العام، لما لها من مردود جيد على المستوى الأمني والنظامي والاقتصادي لأبناء هذا الوطن والمقيمين فيه، وهو ما أعلنته وزارتا الداخلية والعمل من استمرار تنفيذ حملات التفتيش في جميع مناطق ومحافظات المملكة، مشددتان على أن تطبيق أنظمة العمل والإقامة مسؤولية الجميع. لائحة المخالفات والعقوبات وفي بداية انطلاق الحملة، نشرت الوزارتان لائحة المخالفات والعقوبات المترتبة عليها التي تضمنت معاقبة المنشآت التي تشغل المتسللين بغرامات مالية تصل إلى 100 ألف ريال، والحرمان من الاستقدام لمدة 5 سنوات، إضافة إلى التشهير بالمنشأة، والسجن للمدير المسؤول لمدة سنتين مع الترحيل إن كان وافدًا. فيما تضمنت عقوبات بحق منشآت القطاع الخاص، التي تقوم بتشغيل الوافدين المُخالفين لنظامي الإقامة والعمل، أو ترك عمالتها يعملون لحسابهم الخاص أو لدى الغير، أو تشغيلها عمالة غيرها بغرامات مالية تصل إلى 100 ألف ريال، والحرمان من الاستقدام لمدة خمس سنوات، إضافة إلى التشهير بالمنشأة، والسجن للمدير المسؤول لمدة سنة مع الترحيل إن كان المدير وافدًا. أما شركات ومؤسسات خدمات الحجاج والمعتمرين، الذين يتهاونون في إبلاغ الجهات المختصة عن تأخر أي حاج أو مُعتمر عن المُغادرة بعد انتهاء المدة المحددة لإقامتهم فستطالهم غرامات مالية تصل إلى 100 ألف ريال. نتائج ودلالات وفيما يؤكد نجاح الحملة الأخيرة وفاعليتها منذ اليوم الأول لانطلاقها، فقد أسفرت في جميع مناطق المملكة، عن ضبط أكثر من 1066 مخالفا في اليوم الأول فقط، وهو الرقم الذي أعلنته الجهات المسؤولة، ليتأكد هذا الإنجاز يوما بعد يوم، ليوضح حقيقة الأوضاع على الأرض في سوق العمل، من أن هناك أعدادا كبيرة من المخالفين لا زالت ترتع في الأسواق، رغم ما حققته الحملة الأولى من نتائج ملحوظة. وإذا كان ما تم ضبطه في يوم واحد يتعدى الألف مخالف، فإن فئة الآلاف لم تتوقف عبر الأيام التالية بل تضاعفت خلال أيام قليلة، وهو ما أعلن عنه أيضا يوم الثلاثاء الماضي من أن الحملة تمكنت من تحقيق نتائج ملموسة عبر عملها المتواصل طوال العام، وليس فقط خلال الأيام الأخيرة، حيث سلمت الجوازات أكثر من 102 ألف مخالف للخطوط السعودية لتسفيرهم إلى بلدانهم، فيما سلمت نحو 110 آلاف للسجون خلال الشهور الخمسة الماضية في إطار 2979 قرارًا إداريًا تم إصدارها تتضمن العقوبات، قبيل انطلاق الحملة التصحيحية الثانية. كافة المناطق انطلقت الحملة -إذًا- في المناطق المختلفة على مخالفي أنظمة الإقامة والعمل في عدد من محافظاتها، وتمثلت الحملة في الشرطة ومكتب العمل، وأسفرت عن إلقاء القبض على عدد من المخالفين وإحالتهم إلى جهة الاختصاص. وفيما يشبه المناورات حاول المخالفون في عدد من المدن والمراكز الهرب من قبضة رجال الأمن باتباعهم حيلا مختلفة للاختباء بوسائل شتى، إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل أمام مهارة رجال الأمن الفائقة وقدرتهم على التعامل مع كافة المواقف. وقد بدأت المناطق والمحافظات المختلفة تعلن بالتتابع عن نتائح حملتها خلال أيام وساعات، وهو ما أكد نجاح الحملة وتحقيق أهدافها المرجوة من ضبط المخالفين لأنظمة الإقامة والعمل، بل وأيضا من ضبط العديد من المطلوبين في قضايا جنائية ومالية لدى جهات أمنية وقضائية بمختلف مناطق المملكة. قبول شعبي ولاقت الحملة التصحيحية الثانية قبولا كبيرا من قبل المواطنين والمقيمين النظاميين، حيث أكد الجميع على ضرورة أن تستمر تلك الحملات وتتواصل طوال العام، حيث تضع مثل تلك الحملات الأمور في نصابها؛ فتترك المجال للشباب السعودي أن يحل محل تلك العمالة المخالفة، وكذلك تقلص تلك الحملة من المخاطر الأمنية من خلال منع المخالفين والمتسللين ومجهولي الهوية، وتحويل كل من يقيم على أرض المملكة إلى مقيم نظامي يحترم القوانين ويعمل في إطارها. إلا أن الانطباع الأول للمشهد الراهن يشي بتكرار أزمة الأيام الأولى من الحملة السابقة، والتي اختفى على إثرها العديد من العمالة في أكثر من موقع ومكان، فلم يعد هناك ماسحو سيارات داخل الأحياء ومواقف المراكز التجارية، كما اختفى الكثير من الباعة الجائلين وبائعي أنابيب البوتجاز والباسطين، بل والمتسولين في الأسواق والإشارات وأمام المراكز. أما أكثر المشكلات التي يتحدث عنها البعض فهي نقص عدد عمال النظافة واختفاء بعضهم، وهو ما يعني أن الشركات التي تتعاقد معهم تستخدمهم بطريقة غير نظامية، وهو ما يجب التوقف عنده كثيرا واتخاذ ما يلزم تجاههم. فيما لا يرى الكثيرون أي مشكلة في أن تتعطل بعض المحلات المخالفة، أو معاناة بعض الأسر من عدم وجود سائقين، أو إغلاق بعض المحلات التجارية التي كانت تستخدم مخالفين، لأنه يجب على هؤلاء احترام النظام واستقدام عمالتهم بطرق نظامية. المزيد من الصور :