القضاء له منزلة كبيرة لدى كل الأمم لأنه يفصل في الخصومات والنزاعات ويقيم العدل وتقاس الأمم بقوة قضائها ونزاهته وحسن تنظيمه وسهولة الوصول إليه وسرعة إنجازه، وديننا الإسلامي أولى ذلك عناية كبيرة ليس في جانب الموضوع، بل حتى في الجوانب الأخرى من تنظيم سماع الدعاوى وإعطاء الخصم فرصة الدفاع والتأني في إصدار الحكم، ونتميز عن سائر التشريعات بربط الخصوم بالله والدار الآخرة قال تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل). هذه المكانة العظيمة للقضاء جعلت المملكة منذ توحيدها تهتم بهذا الجانب، وما مشروع الملك عبدالله لتطوير مرفق القضاء إلا امتداد لهذا الاهتمام العظيم. نظام القضاء الأخير صدر برقم م/78 في 19/9/1428ه وكذلك ما تلاه من أنظمة ولوائح تنفيذية كنظام المرافعات ونظام الإجراءات الجزائية ونظام التنفيذ وغيرها. هذا المشروع العظيم والكبير لم يمض عليه سوى سبع سنوات تقريبًا، لكن ما تحقق من إنجازات ضخمة أجزم أنها سابقت الزمن إذا قيست هذه المنجزات بعمر النظم والتنظيمات وتطبيقها على أرض الواقع.. قضاؤنا انتقل نقلة كبيرة من القضاء التقليدي إلى القضاء المرتبط بحسن التخطيط والإعداد مع ما صاحب ذلك من توسع سواءً في إعداد القضاة والمتعاونين أو من تهيئة المباني أو من استغلال التقنية الحديثة والتعامل معها بمهنية عالية. أكتب ذلك وبين يدي حقائق مرت بنا هذا العام 1435 – 1436ه هذا العام الذي أعتبره عام حصاد لما خطط له. استكملت محاكم الاستئناف التي تم افتتاحها مهامها وهي مرحلة انتقالية سيتبعها، إن شاء الله، قريبًا افتتاح بقية المحاكم ولم يبق سوى ثلاث محاكم، ثم تباشر هذه المحاكم جميعًا اختصاصاتها حسب نظام القضاء وفق آلية زمنية دقيقة يراعى فيها كل ما تحتاجه المحاكم. تم افتتاح المحاكم المتخصصة، محاكم الأحوال الشخصية والمحاكم الجزائية والتنفيذ وسيعقبها المحاكم التجارية قريبًا جدًا وكذا ارتباط القضاء الجزائي في ديوان المظالم بالمحاكم الجزائية ثم محاكم العمل والعمال ومحاكم المرور، هذه النقلة الكبيرة التي تحققت لمشروع خادم الحرمين لتطوير القضاء لمسها المواطن عن كثب في سرعة البت في القضايا أو تقريب المواعيد، إن الهدف من افتتاح المحاكم المتخصصة هو رفع مستوى الأداء للقاضي فتخصص القاضي في نوع معين من القضايا سيزيد من المخرجات الصحيحة ويرفع من مستوى سرعة الفصل في الخصومات سواءً في الجانب الحقوقي أو في قضايا الأحوال الشخصية أو القضايا الجنائية. إن افتتاح المحاكم المذكورة سيخفف الأعباء على المحاكم العامة وهذا ما تحقق بحمد الله ومنته. لا بد من الإشادة بمحاكم ودوائر التنفيذ، ذلك لأن أي قضاء لا يعقبه ويترجمه تنفيذ قوي سيبقى حبرًا على ورق، ومن هنا صدر نظام التنفيذ وباشر أصحاب الفضيلة قضاة التنفيذ اختصاصهم وأصبح من بيده حكم أخذ صفته القطعية لن يطول به الأمر، بل يتم تنفيذه وفق آلية محددة ومن ذلك أن من يتردد في التنفيذ توقف خدماته فورًا. الآن أصبح للأحكام هيبتها فهذا بدوره سيقلل من عدد المتلاعبين والمماطلين وينعكس إيجابيًا على أمن البلد وعلى اقتصاده وتطوره وعلى ثقة المستثمرين والشركات سواءً في الداخل أو الخارج، الأمر الذي يجعلنا مواطنين ومقيمين نفخر بقضائنا، المرأة كانت تعاني معاناة شديدة للوصول إلى إنجاز قضاياها عند مراجعة المحاكم بسبب الخصوصية من طلب المعرف وغيره الآن المرأة سهل عليها الوصول للمحاكم للمطالبة بحقوقها بدون عناء والتعريف بها عن طريق البصمة، إن تفعيل ذلك أزال عبئًا كبيرًا عنها فهذا يعد إنجازًا عمليًا يذكر فيشكر ويدعم هذا التطور في المجال العدلي وتيسير أعمال المراجعين لكتابات العدل تم تدشين مكاتب التوثيق هذه المكاتب التي سيلمس المواطن فوائدها العديدة وأيضًا قيام مكاتب التوثيق بإصدار الوكالات ونقل الملكيات وتوثيق العقود، وأخذ حجيتها عند التنفيذ كل ذلك نقلة كبيرة في مسيرة العدالة. ويشار إلى أن هذه الإنجازات العدلية أتت محل تقدير وإشادة في المؤتمرات والمراكز البحثية في الداخل والخارج، بل وصل ترتيب المملكة من حيث التعامل الإلكتروني وإدخاله في المحاكم إلى مراكز متقدمة سبقت كثيرًا من الدول العالمية. لكل ما تقدم ندعو الله العلي القدير أن يعين زملاءنا القضاة على أداء ما أنيط بهم من أعمال، كما نشكر وندعو لخادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الذي وعد وأوفى بأن يجزله خير الجزاء على هذا الدعم اللا محدود للقضاء ونشيد بأن ترجمة هذا الجهد ووراءه فريق كبير يتقدمهم معالي رئيس المجلس العالي للقضاء ووزير العدل الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، الذي لا بد من ذكر جهوده العظيمة وخبرته الكبيرة وبعد نظره وصبره حتى رأينا هذه الإنجازات. عبدالعزيز بن صالح الحميد رئيس محكمة الاستئناف بمنطقة الرياض