شاهدت الأحد الماضي ، على شاشة التلفزيون مراسم حلف الرئيس عبد الفتاح السيسي اليمين الدستورية كرئيس لمصر ، في حفل مهيب ، أمام قضاة المحكمة الدستورية العليا ، الذين حلوا محل البرلمان الذي حدده الدستور ليكون حلف اليمين الدستورية للرئيس أمامه . ولم أشاهد بين الحضور الأستاذ حمدين صباحي ، وكنت أتمنى أن أراه يتقدم الصفوف ممثلاً للمعارضة المستقبلية في عهد الرئيس السيسي . فالرجل كان الوحيد الذي أقدم على ترشيح نفسه للرئاسة من بين كثيرين تتوفر فيهم الكفاءة للترشيح .. وفعل ذلك في ظل ظروف صعبة ويقين بأنه لن يكسب هذه الجولة . وأعتقد أن الرجل ، بصرف النظر عما إذا كنا نتفق أو نختلف مع سياساته ، تصرف بوطنية وبعد نظر ، فهو أضاف بعداً ديمقراطياً تنافسياً في معركة كانت محسومة ، ووضع نفسه في مقدمة المعارضة البرلمانية المتوقعة ومرشحاً محتملاً لقيادتها . تنصيب السيسي رئيساً لمصر ، أكبر بلد عربي ، يؤكد أن هناك تغييراً يحدث في عالم العرب ، وأن هناك ثورة في التفكير السياسي بالمنطقة ، ويشير إلى بداية مرحلة قادمة من التعددية السياسية تحل محل الأنظمة العسكرية الفردية التي هيمنت على المنطقة لفترة غير قصيرة . وليس صحيحاً ما يردده البعض من أن رئاسة السيسي ستكون استمراراً لمرحلة حكم العسكر بمصر ، لأن الوعي السياسي في الشارع المصري خرج من القمقم ، وأصبحت الشعارات عن الوطنية والقومية والثورية التي كانت أداة في حكم العسكر لإلهاب مشاعر الجماهير ليست كافية لاستقرار أي نظام بل سيكون تحقيق الاستقرار الاقتصادي وضمان نموه هو الأساس الذي سيحكم به الناخبون على رئيسهم كما أصبحت صناديق الاقتراع هي الطريق إلى الحكم . كل ذلك سيتم ضمن إطار ديمقراطي تشارك فيه مختلف الأفكار والرؤى . ومن الملاحظ أن هناك إستعجالاً من البعض للقفز إلى نهاية خط الديمقراطية وتجاوز مراحلها ، جزء من هؤلاء بحسن نية وجزء أكبر منهم بسوء نية ، إذ لا بد أن تمر المجتمعات بمراحل تجربة الديمقراطية خلال زمن لن يكون قصيراً حتى يتحول الأمر إلى تقليد وقناعةً شعبية تجعل من الصعب التلاعب بالناس . وخلال تلك المراحل توضع القواعد والأسس لتنصيب ومحاسبة المسئولين وإنشاء الهيئات المناسبة التي تجتمع تحت مظلتها الأفكار والتوجهات . فالديمقراطية بمعناها الغربي مطلوبة ولكن ليس على حساب الشعوب ، فالبعض يتحدث عن جهل بأنه لا بأس من أن تسيل الدماء ، تبريراً للفوضى ، للوصول إلى النظام الديمقراطي المطلوب ، وتجربة أميركا في فرض الديمقراطية بالعراق ماثلة أمامنا ، فالدماء تسيل كل يوم ، ولم تتحقق الديمقراطية بعد أكثر من ثلاثة عشر عاماً ، لأن الضمانات الخاصة باستمراريتها لم تتوفر ، وأولها القناعة الشعبية بها وفهمها ، وأحدثت القوات المحتلة فراغاً كاملاً تسبب بفوضى وتحولت العراق إلى محاصصة بين الشيعة والسنة ثم إلى حروب حقيقية بين مكونات المجتمع العراقي حتى ضمن الشيعة والسنة . مطلوب تصحيح العاملين في مجال الفكر والسياسة لأفكارهم إذا كانوا يسعون حقاً للصالح العام برفعهم راية الديمقراطية .. ويمكن تصنيف أصحاب الرأي العرب بشكل عام كيسار بما يمثله من ليبرالية معتدلة أو متطرفة ويمين بما يحتويه من إسلام سياسي معتدل ومتطرف ومحافظين ، ولكن هذه الأطياف الفكرية المختلفة والمتناقضة في تفكيرها عاجزة حتى اليوم عن تبين الطريق السليم للمسيرة السياسية التي تسعى إلى دفع شعوبها باتجاهها . وتتملكني الدهشة وأنا أقرأ لكاتب ليبرالي مقالاً يهاجم فيه القائد العسكري الليبي حفتر لأنه أقدم على محاولة وقف مجازر العصابات المنتمية للإسلام السياسي ، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين ويطالب بترك الدماء تسيل لأنه يراها تؤدي إلى ( تطور ) للعملية السياسية هناك ، كما أصاب بخيبة أمل عندما أسمع أحد الإسلاميين ( المعتدلين ) يدافع عن داعش وبطشها بالمواطنين في سورياوالعراق بحجة أن ما ترتكبه داعش وجبهة النصرة وغيرهما من مذابح يصب في خانة التعجيل بإقامة دولة الخلافة . من المؤكد أن لا يوجد ديمقراطيون بين من يطالبون بالديمقراطية ، فالبعض يعتقد أن مجرد المطالبة بذلك ستحول الوضع السياسي بالمنطقة إلى ما هو عليه في الدول الديمقراطية العريقة ، ويتغنى بالمذابح الفرنسية ، ويختصر التجربة البريطانية والأميركية ويتجاهل كيف حصلت الهند على ديمقراطيتها.. لذا مطلوب عودة إلى النفس ومراجعة كيف يمكن الوصول إلى ديمقراطية عربية مناسبة لقيمنا وتقاليدنا، حيث أن القفز على المراحل لن يوصلنا إليها (وبالتأكيد ليست هناك مرحلة دموية فوضوية باستثناء الرغبة في مرحلة قد تستمر مائة سنة من الفوضى ) .. كما أن تجاهل ضرورة وضع المراحل وتطبيقها لن يؤدي بنا سوى إلى فوضى غير خلاقة . [email protected]