التربية والتعليم توأم لا يمكن فصلهما وإلا فقدا قيمتهما، ولذلك فإن كلامي عن قصة التعليم التي عايشتها - وما زلت بحمد الله -هي مجموعة دروس وخبرات تظهر أحيانا بوضوح وفي أحيان أخرى تختفي بين زوايا المقال، وأحيانا يمتزج الجميع فلا يوجد فرق واضح وعلى القارئ استنباط ما يريد بجهد يسير، وأتوقع المضي وقتا طويلا في الحديث عن هاتين القضيتين لأنهما ملازمتان للحياة لا تتوقفان أبدا، وأرجو من الله العون والسداد. مما أثار اهتمامي وأشغل تفكيري خلال الأيام الماضية تلميحات بعض من أعرفهم إلى أن الكتاب الذي استحقت ابنتي سمية - حفظها الله ورعاها - به الجائزة الأولى لمبادرة عبداللطيف جميل، قد ظنّ بعضهم أنني من كتب لها، وهذا ظن خاطئ وفهمٌ قاصرٌ للآخرين، (وللمعلومية فإن هذا الكتاب عبارة عن بحث الماجستير الذي حصلت عليه ابنتي سمية من جامعة طيبة) وقد يكون أصحاب هذه الرؤية من المبتلين بهذه المصيبة منذ نعومة أظافرهم لأنهم وجدوا من يقوم بكتابة الواجبات المدرسية عنهم! ومن ينفذ لهم مشاركاتهم في الأنشطة ويبصم عليها أسماءهم دون أن يكون لهم أي جهد، ومن ثمّ ينالون الدرجات وربما شهادات التميّز والدروع وغيرها، وقد تقام لهم حفلات النجاح والتفوّق وهم أصلا لا يستحقون صفرًا، ومعروف هذه الأساليب الملتوية والقذرة التي تربِّي بعض الناشئة على الغشّ والتزوير واستحقاق ما لا يحقّ لهم، وعلى هذا المنهج الظالم تتم تربيتهم فيتخرّج للمجتمع أفراد مزوّرون وشخصيات مزيفة، ثم إذا تربّعوا على الكراسي الدوارة أمسكوا برقاب العباد فيبتزّونهم ويستعبدونهم يريدون منهم الركوع بين أيديهم حتى يقضوا لهم حاجاتهم، وهذا هو أحد منابع الفساد الذي نتباكى عليه ونتشكي من ويلاته، وقد نكون نحن من صنعه وبذر بذوره في تربة مجتمعنا، وربما قمنا على رعايته ليل نهار وبكل فخر واعتزاز! في مقال سابق (تجفيف منابع الفساد) ومنذ سنوات قريبة تحدثت عن هذه القضية، لكني اليوم أجد نفسي مضطرا للإشارة إليها لأنها تقضّ مضاجع المخلصين وتؤرّق عيونهم، والمشكلة أن منّا من حمل الراية وكان السبب فيها، قد يكون بقصد، وقد يكون بحسن نية وغفلة، لكن وبعد وقوع كوارث الفساد المالي والإداري وغيرها مما نعاني منه اليوم لابد من البحث عن العوامل الحقيقية التي كانت النبع والمصدر، وبات من الضروري توجيه التهمة مباشرة إلى البيت والمدرسة، لأنهما المحضن للناشئة الأول والوحيد المؤثر بعمق وخاصة في هذه القضية! عندما يتعوّد الطفل أن يكون عالة في أموره الشخصية البيتية على الشغالة والسائق ولا يكون له أدنى جهد في قضائها، وفي حياته التعليمية يتعوّد على الدروس الخصوصية ولا تمثل المدرسة له مصدر المعرفة الحقيقي، بل إن بعض من يتلقى الدروس الخصوصية ليس بهدف التعلم وإنما بقصد شراء ذمة المعلمين - ضعاف النفوس- فيجد أسئلة الاختبارات النهائية وربما غيرها بين يديه، وكما قلنا سابقا حتى بعض الأعمال الفنية تعرض باسمه رغم أنه لا يملك أية مهارة أو موهبة تؤهله لذلك، وهكذا نحن من يصنع الفساد!. [email protected]