دون أدنى شك نتفق جميعاً على ضرورة القضاء على الفساد بكافة صوره وتخليص المجتمع من آثاره ومحاسبة مرتكبيه وحملة راياته كائنين من كانوا، ولكن هل تساءلنا من أين يستمد الفاسدون فسادهم، وكيف تعلموه ومن الذي علمهم دروسه الخاسرة، وهل يوجد بالفعل من يغرس مبادئ الفساد في عقول وقلوب أبنائنا، وإذا كان يوجد حقاً فهل نعرفه أو نعرفهم، وهل هم بشر مثلنا ينتمون إلينا ديناً وخلقاً ونسباً، أم أن الفساد هو أيضاً من المؤامرات الخارجية تروج له قنوات ووسائل الإعلام الأجنبية أو العربية، أو هو مستورد يُباع في زوايا بلادنا وحاراتها، ثم كيف يمكن القضاء على الفساد قبل أن نعرف منابعه وأسبابه ومصادره، وهل تكفي أكبر مجموعة من القرارات للقضاء عليه واجتثاثه من جذوره، أم أننا ما زلنا بعيدين كل البعد عن تحقيق أحلامنا بالقضاء عليه؟! في سبيل التعرف على منابع الفساد ومصادره ومحاضنه هل تذكرنا الدور السلبي الذي يقوم به البيت والمجتمع بكافة مؤسساته في غرس مبادئ الفساد، فالبيت هو الذي يبدأ عملية التربية والتنشئة الأولى، والأب هو قدوة البيت كله كما أن الأم هي قدوة لبناتها بل حتى أولادها، وللأقارب والمعارف والأصدقاء والجيران دور بالغ في تربية النشء على الخير أو الفساد، والمدرسة هي البيئة الثانية التي تغرس القيم والمبادئ في نفوس وعقول الناشئة، والجامعة هي التي يتخرج منها المعلم والطبيب والإداري والقاضي والمهندس وغيرهم، أليست وسائل الإعلام تمارس دور المربي الخطير لأبنائنا وبناتنا بل حتى رجالنا ونسائنا..؟ قد يتساءل أحد عن حقيقة قيام هذه المؤسسات في غرس مبادئ الفساد في الناشئة والشباب، ولكن هل يعرف المتسائلون كيف يتعلم الطفل الكذب من والديه أو أحدهما ثم هو يقلدهم في البداية لأنهم قدوته لكنه يمارس ذلك فيما بعد سلوكاً متجذراً في شخصيته، وكم من مرة لا يجد الطفل من والديه غير الدلال ولو على حساب القيم والأخلاق، وكم من الأطفال تعود من أبويه المكافأة والهدية حتى دون سبب، وفي المدرسة يتعلم كثير من التلاميذ مبادئ الغش عندما تعلق لبعضهم لوحات وأعمال فنية ليست من إنتاجهم لكنهم يحصلون على درجات من أجلها، وفي بعض الأحيان ترصد لهم كومة من الدرجات وهم لا يستحقونها لأن بعضهم ابن فلان أو لأن بعض آبائهم أهدى للمدرسة برادة ماء أو جهاز حاسب، ناهيك عن حصول معظم الطلاب على شهادة حسن سيرة وسلوك وقد لا يستحقونها لسوء سلوكهم، وفي الجامعة يتعود طلابها على التقصير والتخلف عن أداء الواجب عندما يعايشون ذلك واقعاً يرونه مع أساتذتهم أو أحد كبار أو صغار الإداريين فيها، ثم هم يجدون فيها من يمكنهم من الحصول على أعلى التقديرات دون وجه حق، أو يرون من أندادهم الطلاب من لا يستحق شيئاً لكنه يناله بقوة القرابة أو المحسوبية، وكذلك بعض وسائل الإعلام التي تقوم بدور المروج لأساليب التملق والتطبيل والتزمير لمن لا يستحق كلمة شكر في حين أنها تحجب ذلك عمن يستحقه وأكثر..؟. [email protected]