قبل حوالي خمسة أعوام كنت أتابع عبر التلفاز تحركات رئيس هندوراس المخلوع مانويل زيلايا الذي نفي إلى خارج البلاد فاعتمر قبعته العريضة ونصب خيمته على الحدود في كوستاريكا ثم تمكن بطريقة ما من التسلل إلى داخل البلاد واللجوء إلى سفارة البرازيل حيث كان يخاطب أنصاره من فوق سطح مبنى السفارة واستمر يحاول استعادة رئاسته إلى أن انتهت فترة ولايته بعدها بتسعة أشهر وانتخبت هندوراس في عام 2009م رئيساً جديداً لخلافته. لم أكن أعلم آنذاك أن الظروف ستتيح لي زيارة هذا البلد الجميل والمشاركة في حفل تنصيب رئيس جديد قبل بضعة أسابيع ولعله الرئيس الثمانون بعد المائة في خلال فترة استقلال هندوراس عن التاج الإسباني قبل حوالي مائتي عام، أكثر من مائة منهم مروا على الرئاسة في الثلاثين سنة الأولى وحوالي عشرين كانوا من الجنرالات الذين تعاقبوا على قيادة انقلابات عسكرية في الستينات والسبعينات من القرن الماضي الى أن دخلت البلاد في مرحلة استقرار سياسي نسبي منذ عام 1981م لم يعكر صفوه إلا محاولة الرئيس زيلايا تعديل الدستور للسماح بتمديد ولايته الأمر الذي قوبل بانقلاب نفذته المحكمة الدستورية العليا بالتعاون مع قيادة الجيش وتولى بموجبه رئيس المحكمة الرئاسة للفترة المتبقية من ولاية الرئيس المخلوع، وما أشبه هندوراس بحالات أخرى لولا أن الرئيس زيلايا قد عاد الآن إلى الحياة السياسية نائباً في البرلمان !! أول مسألة واجهتني قبل الرحيل إلى هندوراس تمثلت في التعرف على اسم العاصمة، تيجوسيجالبا، ومحاولة حفظه، في تيجوسيجالبا فاجأتني مظاهر الفقر المدقع فهندوراس هي خامس أفقر دولة في أمريكا اللاتينية ونصف عدد سكانها البالغ ثمانية ملايين نسمة يعيشون تحت خط الفقر ومعدل البطالة يقارب الثلاثين في المائة وبها أعلى معدل في العالم لجرائم القتل. ومن طرائف ما علمت في هندوراس أن فيها ما يقارب المليون نسمة من أصل عربي معظمهم من الفلسطينيين وأن كثيراً منهم من كبار رجال الأعمال، وأن هندوراس التي تعشق كرة القدم قد خاضت مع جارتها السلفادور في عام 1969م حرباً ضروساً استمرت لبضعة أيام بعد أن تغلب الفريق القومي الهندوراسي على نظيره السلفادوري في عقر داره في إحدى التصفيات النهائية مما حدا بالسلفادور إلى غزو هندوراس واحتلال أجزاء من المناطق الحدودية ردعاً للاعبي الهندوراس وعقاباً لهم. وأخيراً فلعل من اللطائف أيضاً أن هندوراس تشترك مع المملكة العربية السعودية والسلفادور وهاييتي في أنها الدول الوحيدة التي لم تشارك في عضوية مجلس الأمن بالرغم من أنها جميعاً من الدول المؤسسة للأمم المتحدة. هندوراس بلد جميل وواعد، وأرضها بكر خصبة مهيأة للاستثمار الزراعي والصناعي والسياحي وبها ثروات طبيعية من المعادن والبن والفواكه لم تستغل بالكامل حتى الآن، ولعلها تشهد الآن مرحلة من الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي تستطيع خلالها تدارك ما فاتها من فرص وإمكانيات. للتواصل : [email protected] [email protected]