أكد الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند عمق العلاقة الفرنسية السعودية، وأنها علاقة تاريخية ومنذ عقود، مبيناً أن المملكة السعودية والجمهورية الفرنسية طورتا هذه العلاقة منذ شهور بتعزيز التعاون بين البلدين، وذلك خلال تصاعد الأزمات الدولية العربية والإقليمية، حيث كانت اتجاهات البلدين السياسية والمواقف من هذه الأزمات متقاربة كثيراً . مؤكداً أن المحادثات مع خادم الحرمين الشريفين ذهبت إلى أقصى الحدود في الأزمات الإقليمية، منوهاً بحكمة خادم الحرمين الشريفين في كل المواضيع لأنه يتحلى برقي النظر لكيفية معالجة مثل هذه الأزمات. وقال أولاند في مؤتمر صحافي عقده أمس الأحد، بمقر السفارة الفرنسية بمدينة الرياض «المملكة وفرنسا تدعمان المعارضة السورية التي تسعى إلى إنشاء الديمقراطية والسلام والمشاركة في بناء سوريا وضرورة الحل السياسي للأزمة من خلال مؤتمر جنيف 2»، مضيفاً أن إرادة المملكة وفرنسا تجتمعان حول قضية البرنامج النووي الإيراني في حصول إيران ومتابعة برنامجها في الطاقة النووية المدنية ومن حق الجميع الحصول على هذه الطاقة السلمية التي تحقق التقدم في المستقبل، ولكننا ضد نشوء وانتشار الطاقة النووية العسكرية لإيران ونقف ضدها، وذلك للحفاظ على أمن المنطقة المهم لدينا». وأضاف «لدينا مع المملكة نفس التوافق والموقف من الشأن اللبناني ووحدة وسلامة أراضيه ودعم اللبنانيين كافة لبقائهم متحدين متماسكين من أجل أمن لبنان ونشر السلام بين جميع الفئات والطوائف اللبنانية، وخصوصاً في الوقت الحالي، حيث أنها تستقبل الكثير من اللاجئين من جارتها سوريا نظراً لما يعانونه في بلدهم، ومن جهة أخرى ندعم مصر في اتجاهها وسعيها نحو الديمقراطية وأن تكون الانتخابات فيها في جو توافقي يهدف إلى تحقيق الأمن للمصريين». وعن التعاون التجاري والاقتصادي بين المملكة وفرنسا قال الرئيس الفرنسي «أُلاحظ تقدما في التبادل التجاري بين البلدين خاصة أنها تضاعفت خلال الأعوام العشرة الأخيرة، حيث تجاوزت المبادلات التجارية في عام 2013م وحده 8 مليارات يورو، حيث إن المملكة السعودية أول شريك اقتصادي لنا في الشرق الأوسط، وتعد فرنسا المستثمر الأجنبي الثالث بالمملكة، ولقد حصلنا على عقود مهمة جداً تم التوقيع عليها في عام 2013م في مجالات عديدة، أذكر منها مثلا بارستون التي تعمل على مترو الرياض، وشركة فيوليا لمصنع تحلية المياه الأكبر في المملكة، وشركة أي دي إس للأقمار الصناعية، وشركتا تاليكس، ودي إن أس لبناء السفن، وشركات كثيرة أخرى. وتمنى أن تكون الحركة التجارية بين البلدين مستمرة، مضيفاً «لسنا في لحظات للتوقيع فيها على عقود مهما كان الثمن بمناسبة زيارة رئاسية، حاثًا الشركات الفرنسية على أن تبرهن عن مستواها المتميز طوال السنة وعن قدرتها على الاستجابة لطلبات الأصدقاء السعوديين، مفيداً بقوله «إنه خلال الاجتماع الثنائي مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، تطرقنا خلاله إلى المجالات التي يمكن أن توجد فيها آفاق تجارية صناعية، منها في مجال الصحة حيث وقعنا على الاتفاق المهم جداً لتطوير مشاريع كبرى في مجالات الصحة والصيدلة والأبحاث، وعلى صعيد المبادلات الجامعية والثقافية والعلمية هناك أهداف محددة سننفذها قريباً جداً بدءاً من تعلم اللغة الفرنسية ومشاريع معهد العالم العربي إلى آخره، ولكن في المجال الاقتصادي أود أن أشدد على مواضيع عدة أولاً منها ما يتعلق بمجال النقل في المناطق الحضرية وشبكات النقل بالباصات ونقل المسافرين بالقطارات السريعة، هناك آفاق جيدة أمامنا، ومنها محادثات جارية في مجال الطيران تتقدم شيئاً فشيئا، ثانياً «في مجال الطاقة والطاقات المتجددة والطاقة النووية، هناك أهداف نريد تحقيقها في المدى القريب، مثلاً بالنسبة للطاقة النووية المدنية ستجتمع اللجنة المشتركة في شهر مارس المقبل، وإن رغبت المملكة في تحديد أهدافها فإن فرنسا مستعدة للاستجابة لهذه الأهداف كرمز، مبرهنين على متانة وقوة هذه العلاقات». وأضاف أولاند «هناك توصل إلى اتفاق شراكة اقتصادية ومالية بين البلدين وهذا الاتفاق يهدف إلى 3 محاور هي الابتكار التكنولوجي، والاستثمار والصادرات، وإرادة تنفيذ المشاريع المشتركة، وهي إشارة ثقة بين البلدين، مؤكدا إدانته للأعمال الإرهابية في كل مكان، قائلا «لا شيء يبرر الإرهاب، لأننا نكافح الإرهاب نتحمل مسؤولياتنا في كل أنحاء العالم، فرنسا والمملكة معاً». وفي مجال التعاون العسكري أوضح فخامة الرئيس الفرنسي أنه منذ سنوات عدة أقامت فرنسا شراكة مع المملكة في مجال الدفاع، مشيراً إلى أن هناك شركات فرنسية عدة تعمل استجابة للاحتياجات في المملكة العربية السعودية في مجال الدفاع، منها شركة الصناعات البحرية المتخصصة في كل ما يتعلق بالغواصات والمدمرات، وشركة أي دي أس للأقمار الصناعية، وشركة تالس للصواريخ. وقال «سأتحدّث عن هذا الموضوع مع صاحب السمو الملكي ولي العهد اليوم الاثنين لنرى مدى النطاق لهذا التعاون، حيث أن الفكرة هي الأمن وكيفية تحقيق قدراً أكبر من الأمن في المنطقة، كما أن المسألة ليست لنهج هجومي ولكن لتحقيق الأمن وهو المهم، وعلى هذه الأسس سنعمل مع الأصدقاء السعوديين». وبالنسبة للعلاقات بين المملكة ولبنان، قال الرئيس الفرنسي «هذا شأن سيادي للبلدين وليس لي أن أعطي أي معلومات عن هذا الموضوع، ما أعرفه هو أن فرنسا منذ فترة طويلة ومؤخراً قدمت وتقدم تجهيزات ومعدات للجيش اللبناني، وسنستجيب لكل المطالب التي تقدم لنا، لماذا قلت إن لبنان يجب أن يبقى موحداً ويجب احترام سلامة أراضي لبنان وضمان أمنه لكل اللبنانيين بكل مكونات الشعب اللبناني للبنان بأكمله بأسره، ولي علاقات واتصالات مع الرئيس سليمان واتصلت به مؤخراً، وإن وجهت لنا أية طلبات سنستجيب لهذه الطلبات». وحول الوضع في سوريا، قال الرئيس الفرنسي، هناك لعبة تحالف ضمني بين بشار الأسد والمتطرفين تمنع التوصل إلى حل في سوريا. وكرر أن مؤتمر جنيف 2 يهدف إلى إيجاد حل، والحل هو العملية الانتقالية وليست تمديد ما يحصل حالياً، اجتماع جنيف 2 والتمديد لما يحصل يعني عدم التوصل إلى نتيجة، مفيداً أنه سيلتقي برئيس الائتلاف الوطني السوري، والنقطة الرئيسة في حديثنا كيف يمكن أن يتحول مؤتمر جنيف2 إلى مؤتمر مفيد، والهدف بالطبع الوصول إلى حل سياسي لا يمكن أن يتحقق مع النظام الحالي. وأضاف فخامته أن فرنسا تتفاهم مع جميع الدول، مؤكداً أن الأفعال هي التي تحكم وليس الأقوال، مشيراً إلى أن هناك اتفاق مرحلي مع إيران تم التوقيع عليه مع السعي على تنفيذ بنوده بالكامل، و أن العقوبات على إيران لن ترفع ولو جزئيا إلا إذا احترم هذا الاتفاق بالكامل، وبعد هذا الاتفاق المرحلي سنفتح محادثات لنتأكد ونضمن أن إيران تتخلى نهائيا عن السلاح النووي. وقال «نحن دائما على استعداد للعمل على بناء الجسور، إن كان الشركاء راغبون في الذهاب بهذا الاتجاه, ونحن قادرون على المضي قدما في مبادئنا المتمثلة في ضمان أمن المنطقة، هذا مبدأ مطلق وضمان أمن هذه المنطقة من العالم، والمبدأ الثاني هو عدم قبول الأسلحة النووية في إيران». وأكد الرئيس أولاند أن فرنسا والمملكة لديهما نفس الموقف تماماً في الملف السوري، كما في ملفات أخرى على الساحة الدولية، والبحث عن حل سياسي، ودعم المعارضة المعتدلة وتسهيل العملية الانتقالية، وعلى هذه الأسس نحن نعمل معا منذ عدة شهور، مشيداً بالدور الذي أدته المملكة لدعم الائتلاف الوطني السوري ووصفه بالدور الثمين والقيم. وقال «أعرف ماذا فعلت المملكة لمكافحة التطرف، ويمكن أن يكون التطرف متواطئ مع نظام بشار الأسد، وفي مؤتمر جنيف يتعين علينا أن نعمل معا للوصول إلى النتيجة التي أعلنت عنها، أي عدم التمديد لبشار الأسد، وتعرفون موقف فرنسا عندما استخدمت الأسلحة الكيميائية». وأضاف «الأسلحة الكيميائية استخدمت بالفعل في سوريا، ولم يعد هناك أي جدل بهذا الشأن، والضغط الذي مارسته فرنسا والمملكة سمح في البدء بتدمير الأسلحة الكيمائية السورية، ولكن هناك قصف على مدينة حلب وقصف على المدنيين ومجازر ترتكب، إن موقفنا واحد مع المملكة، ونريد الانتهاء من هذا الوضع المروع ليس فقط لسوريا ولكن أيضا لدول المنطقة، نظرًا لما نعرفه عن مشاكل اللاجئين في لبنان، وخطر تدهور الوضع في ذلك البلد الصديق، حتى في تدفق أعداد اللاجئين ليس فقط في المنطقة ولكن في دول أخرى، ونعرف النتيجة المترتبة على ذلك في أوروبا وموقفنا هو نفس الموقف حقا. وقال يجب دعم وتأييد الحكومة الفرنسية ووزير الداخلية في كل ما يتعلق بكلمات أو تصرفات معادية للسامية وليس لي ما أضيفه على ذلك. وأكد الرئيس الفرنسي أن المحادثات مع خادم الحرمين الشريفين ذهبت إلى أقصى الحدود في الأزمات الإقليمية، منوهاً بحكمة خادم الحرمين الشريفين في كل المواضيع لأنه يتحلى برقي النظر لكيفية معالجة مثل هذه الأزمات. وشدد على ضرورة حل سياسي في سوريا ودعم القوى المعتدلة التي تمثل المستقبل الديمقراطي لسوريا «أما بالنسبة لإيران هناك نفس الإرادة لحل نهائي للملف النووي، مبيناً أن فرنسا بطيعة الحال تلعب دورها كاملا وبينت قدرتها في التحلي بهذا الدور بحزم ومسؤولية، وفيما يتعلق بلبنان فقال «علينا الاتزان بمساعدة هذا البلد الذي يمر بأزمة طبعا مع تدفقات اللاجئين للحفاظ على وحدة لبنان وضمان تجمع كل اللبنانيين في لحظات أليمة جدا «. من جهته، أعلن الرئيس اللبناني ميشال سليمان أن السعودية قدمت دعماً كبيراً للجيش، مشيراً إلى أن فرنسا ستكون المصدر الذي سيعتمد عليه لبنان في شراء السلاح. وقال سليمان في كلمة متلفزة «لديّ أمل بأن تتعاطى السلطات الفرنسية مع هذه المبادرة السعودية بشكل فعّال من حيث تسهيل بيع الأسلحة»، مشيراً إلى أن هذا الدعم هو الأكبر في تاريخ الجيش اللبناني. وأكد سليمان أن هذه المساعدة السعودية تهدف في جوهرها لمساعدة لبنان على التوحد، مؤكداً أن لبنان سيوفر الشروط اللازمة لإنجاحها، بالتزامن مع تشكيل حكومة وطنية في أقرب الآجال تحقق تطلعات الشعب اللبناني. إلى ذلك، أعلنت دمشق أمس أنها «متمسكة» بمشاركة حليفتها إيران في مؤتمر جنيف 2 المقرر عقده الشهر المقبل للبحث عن حل للأزمة السورية، وهو ما ترفضه المعارضة ودول غربية، بحسب تصريحات لوزير الخارجية السوري وليد المعلم. وقال المعلم «سوريا متمسكة بمشاركة إيران في المؤتمر ومن غير المنطقي والمعقول استبعاد إيران من المشاركة لأسباب سياسية من الولاياتالمتحدة ومن يسمون أنفسهم معارضة»، وذلك بحسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء الرسمية (سانا). وترفض المعارضة السورية ودول غربية في مقدمها الولاياتالمتحدة، مشاركة إيران، أبرز الحلفاء الإقليميين لنظام الرئيس الأسد، في المؤتمر الهادف إلى البحث عن حل للأزمة السورية، بمشاركة ممثلين للنظام والمعارضة. وتتهم المعارضة طهران ب «احتلال سوريا» من خلال تقديم دعم عسكري للنظام عبر الحرس الثوري الإيراني، ومشاركة حزب الله اللبناني المدعوم من طهران، في القتال إلى جانب القوات النظامية السورية. المزيد من الصور :