مَن يزرْ اليمن مؤخرًا، وينظرْ إلى مكوناته بعينٍ متأمِّلةٍ، فسيُدرك أن هناك تغييرًا ملحوظًا على خريطة الحياة السياسية والاجتماعية والدينيّة، فالسياقات التي هيمنت على اليمن خلال العقود السالفة قد أخذت في التراجع لصالح جبهة محلية صاعدة بهدوء وثبات، تتكون لبناتها من مزيج متجانس يجمع بين اليمين واليسار، القديم والحديث، التاريخ والمعاصرة؛ تآلفت مكوناتها على قضية رئيسة واحدة، وهي الرغبة الحثيثة في إخراج اليمن إلى آفاق سياسية واقتصادية جديدة، وبناء دولة حديثة مدنية متحررة من سلطة القبيلة بزعامة آل الأحمر، وسلطة الدين بقيادة تكتل حزب التجمع اليمني للإصلاح، الذي جمع تحت قبته قيادات حركة الإخوان المسلمين، وعددًا من زعامات السلفية الحركية، تدعمهم سلطة اللواء قائد الفرقة أولى مدرع، التي جميعها قد هيمنت على وتيرة الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية طوال حقبة الرئيس علي عبدالله صالح، ذلك الذي وجد فيهم القوة المناسبة لمساندته في الحفاظ على حكمه، وفي القضاء على أكبر خصومه السياسيين إبان حرب عام 1994م، ووجدوا فيه الحليف المناسب لتحقيق مصالحهم الخاصة وتنفيذ أجنداتهم الحزبية. استمر التحالف بينهم بقوته المهيمنة حتى جاء قرار الرئيس صالح بتوريث السلطة لابنه، ليُفجِّر أزمة خانقة بين المتحالفين، وهو ما جعل شركاءه يركبون موجة التغيير، ويعملون بكل طاقاتهم الدعوية والإعلامية وعناصرهم البشرية على إسقاط حليفهم الرئيس صالح، آملين الانفراد بالحكم في هذه المرة، لاسيما، وأن هناك تحالفًا وثيقًا بين المشايخ آل الأحمر بزعامة الشيخ حميد وحركة الإخوان المسلمين في اليمن، كما أن هناك تآلفًا مع قائد الفرقة أولى مدرع اللواء علي محسن، وعزز ذلك أن الساحة السياسية في العالم العربي كانت قد آذنت لحركة الإخوان المسلمين بالصعود إلى سدة الحكم؛ لكن صمود الرئيس صالح من جهة، وتنامي قوة المكونات الجديدة بشكل متسارع كحركة أنصار الله، والحراك الجنوبي، والشباب المستقل، علاوة على الحزب الاشتراكي، قد أفشل مشروع القفز على السلطة والانفراد بها كما كان مأمولاً، وبالتالي فلم يتحقق النصر لهم، كما لم يتمكن الرئيس صالح من الحسم، فكان الاتفاق على المبادرة الخليجية مخرجًا للأزمة. على أن ذلك قد عزز من قوة المكونات السياسية الصاعدة، وأدّى إلى تعميق التحالف بينها، وهو ما أسعد الرئيس، وأحزن معارضيه، الذين قرروا الهروب إلى الأمام، خاصة مع سقوط مشروع دولة الإخوان العالمية، بتأجيج وتيرة الحرب المذهبية في شمال اليمن، والتلويح مجددًا بالخطر الإيراني، رغبة في قطع أي طريق قد يربط المكونات الجديدة بدول الجوار. متناسين أن تهديد إيران إن كان فإنما هو تهديد نفوذ، أما تهديد القاعدة والإخوان المسلمون على المنطقة فهو تهديد وجود. [email protected]