أجمع فقهاء ودعاة شرعيون على أهمية الحوار بين «أتباع الأديان والثقافات»، مؤكدين على جدواه الحقيقية في الإقناع ومخاطبة العقل بالأدلة والبراهين، مشيرين إلى أن الدعوة في العصور الإسلامية الأولى كانت تنتشر في صفوف الناس من خلال الحوار والمناقشة وتقبل وجهات وآراء الآخرين. وأشاروا إلى أن ندوة (مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار بين أتباع الأديان والثقافات) التي نظمتها الجامعة الإسلامية بالعاصمة الإندونيسية جاكرتا بالتعاون والتنسيق مع مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، والجامعة الإسلامية الإندونيسية، هي ترجمة عملية لجهوده حفظه الله وترسيخًا لمفهوم الحوار العالمي وتعزيزًا لمصالح الإنسانية جمعاء. بداية قال وكيل الوزارة المساعد لشؤون المساجد الشيخ عبدالمحسن بن عبدالعزيز آل الشيخ: للجامعة الإسلامية أثر بالغ في تعليم الكثير من أبناء المسلمين عبر تاريخها الطويل فكانوا يأتون من كل فج عميق يتلقون العقيدة الصحيحة والعلوم الشرعية النافعة فيعودون إلى بلادهم دعاة خير وهدى وسفراء عقيدة صحيحة في بلدانهم اذا رجعوا اليها بالحوار المثمر والجدال بالتي هي أحسن فيحصل بذلك الهدف الأسمي من تعليمهم. وقال آل الشيخ: ولقد أحسنت الجامعة في إقامتها لندوة مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار بين أتباع الأديان والحضارات التي انطلقت في جاكرتا مما سيكون لها صدى طيبٌ في نشر ثقافة الحوار وتعزيز اهدافه والنظر في المشتركات بين بني البشر ورعاية مصالحهم المشتركة ليسود الأمن والسلام بعد إقامة الحجه وإيصال الحقيقة وبيانها. مهمة إسلامية وعد الدكتور أحمد بن عبد العزيز الحداد كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء بدائرة الشئون الإسلامية والعمل الخير بدبي الحوار بين الأديان من مهمات الدعوة إلى الله تعالى، ومن أسس نجاحها؛ لأنها تقوم على مبدأ الإقناع لا الإكراه، والإقناع لا يكون إلا بحجة بينة ، ولا يمكن الوصول إلى الحجة عبر السيف والعصا، لذلك نجد القرآن الكريم في كل مناسبات مخاطبته لمن لا يؤمن به يخاطبهم بالعقل والبرهان الجلي، وهذا ما كان يفعله دعاة الإسلام في كل فتوحاتهم، فهذه شرق آسيا الواسعة الأرجاء الكثيرة العدد والعدة، والتي تمثل اليوم نحو ثلث الأمة الإسلامية لم تخرج من وثنيتها الضاربة الجذور إلا بهذا الأسلوب المقنع، فلم ترق بينهم قطرة دم، ولم يهدم لهم معبد ولا كسر لهم صنم حتى كانوا هم الذين فعلوا ذلك رغبا ورهبا، مؤكدًا حاجة الأمة اليوم إلى هذا المنهج الإسلامي الراقي الذي يفتح آفاق الدعوة في كل أرجاء المعمورة، كما يهدف إليه الإسلام ويرعاه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - متع الله به الأمة- حتى تجلجل كلمة الحق في جميع الأرجاء، داعيًا معاشر الدعاة إلى واجبهم نحو عباد الله في أرضه، موضحا تقصيرهم في عدم سد الفراغ الذي يتسلقه الأدعياء، وفي عدم إحسان الخطاب الذي يفهمه المدعوون وفي عدم استغلال الوسائل المتاحة التي مكننا الله منها. الإسلام أولا وأوضح الدكتور سامي بن فراج الحازمي رئيس قسم الأنظمة بجامعة أم القرى بأن الدعوة إلى الإسلام من الأمور التي فرضها الله تعالى على المسلمين، وهي تكليف من التكاليف الشرعية التي لا خلاف عليها، والمسلمون منذ بدء الدعوة لم يتخلفوا عن القيام بهذا التكليف طاعة لله تعالى ولرسوله، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم في كتابه إلى هرقل عظيم الروم: « فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلِم تَسْلَم، يؤتك الله أجرَك مرتين، فإن توَلِّيت فعليك إثمُ الأريسيين» ، مؤكدًا أن الدعوة إلى الإسلام لم تتوقف على مدى أربعة عشر قرنًا، وستظل قائمة إلى أن يرث الله الأرض وما عليها. وقال: إنّ الحوار بين الأديان على أساس العقيدة، أمر رغب فيه الإسلام، وهو إذا كان بهذه الصفة ووفق قواعد الشريعة وأصولها فهو من الدعوة إلى الإسلام ، فالغرض من فكرة الحوار في الإسلام أن يتم على قواعد لابدّ من التأكيد عليها وهي: التوحيد، نفي الشرك، إفراد العبادة لله وحده، أن لا يُطيع أحدٌ أحدًا من الناس في معصية الله. وهو ما يدل عليه نص الآية دلالة لا لبسَ فيها ،مشيرًا إلى أن الإسلام هو دين الفطرة التي فطر الله تعالى عليها الإنسان، وأما الأديان المحرفة فهي تناقض الفطرة، والفطرة عندما تصطدم بما يناقضها، وهي تتلمسه نتيجة إعمال الفكر ووجود معلومات صحيحة، فإنّه لا مفرّ للإنسان من البحث عما يناسب فطرته، لتستويَ فيطمئن. تطور فكري وثقافي وأكد الدكتور هاجد الحربي أستاذ الأدب السعودي المشارك في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الملك سعود على انطلاقة دورة جديدة لمركز الملك عبدالله لحوار الأديان، والوقوف عند هذا المشروع الحضاري العملاق، داعيًا إلى أنه ينبغي التجرد من خطاب تمجيد الذات وعبارات الثناء والمدح متجاوزًا ذلك إلى التعمق في مدى الإفادة من هذا المشروع وتفعيل الإيجابيات المرجوة منه كأحد الأهداف المهمة لتبني الفكرة والعمل بها، وتقبل الحوار والمناداة إليه يعد بحد ذاته مؤشرًا مهما على الثقة القوية لدى من يقوم بذلك، ثقته بمبادئه وتكوينه الثقافي والإيديولوجي، والمتأمل لواقع عالمنا العربي يجد أننا بأمس الحاجة إلى الحوار وفهم ثقافة الحوار، سواء الحوار فيما بيننا أو الحوار مع الآخر، والحوار الصحي والحضاري لا يكون إلا بتقديم جزء من التنازلات ومراجعة بعض القناعات وكسب شيء من الإقناعات، ونحن كأمة ذات رسالة سماوية خالدة تقوم على الوسطية واحترام الإنسان والسعي إلى إسعاده وحفظ حقوقه، مضيفا: ونحن كذلك ينبغي ألا يمثلنا في هذا الحوار أصحاب الرؤى المتصلبة والأفكار المتحجرة كما لا ينبغي أن تمثلنا الأفكار المنفلتة، فالتطرف في هذا وذاك لا يأتي إلا من فهم قاصر لمبادئنا وثقافتنا، ووجود هذه الأمور قد يكون معوقا أساسيًا لتحقيق أهداف هذا المشروع واستثماره نهضويًا وتنمويًا؛ كما قد تكون سبيلا لانشطار ذاتي خطير قد يمزق جسد الأمة ويوهنه بالأمراض الفاتكة المزرية. وقال الحربي: الإعلام بجميع وسائله أبرز حوارًا متطورًا بين المواطن والمسؤول، ومجلس الشورى يحاور ويناقش بين فترة وأخرى بعض الوزراء والمسؤولين في مؤسسات الدولة ... وغير ذلك، ووجود ذلك كله يدل على نضج ثقافي وتطور فكري، ولا ينبغي إغفال دور مركز خادم الحرمين لحوار الأديان ومركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني في ترسيخ هذا التطور وإشاعة مفهوم الحوار، مؤكدًا أن مسألة الحوار ليست قضية مقصودة لذات الحوار ولا ينبغي أن يتأسس لدينا هذا المفهوم. ثقافة الحوار فيما قال الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله الخليفي عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمستشار القانوني بجامعة ام القرى امام وخطيب جامع الشيخ عبدالله الخليفي رحمه الله: لقد تميزت المملكة العربية السعودية بالاهتمام بنشر ثقافة الحوار وإرساء دعائم السلام وتحقيق آمال الأمة وتطلعاتها من خلال الدعوة إلى وضع هيكلة للعلاقات الإنسانية والدولية تقوم على أساس من التسامح والتعايش السلمي بين الجميع، فقد نص النظام الأساسي للحكم في مادته الخامسة والعشرين على ما يلي (تحرص الدولة على تحقيق آمال الأمة العربية والإسلامية في التضامن وتوحيد الكلمة وعلى تقوية علاقاتها بالدول الصديقة)، مبينًا أنه ومن أجل ذلك وتطبيقا لهذا الأمر بادر خادم الحرمين الشريفين - رعاه الله - إلى تأسيس مركز للحوار يختص بتأصيل العلاقة بين البشر في منظورها الإسلامي وفق رؤية متعمقة وآفاق واسعة تهدف إلى تحويل الاختلافات الدينية والثقافية بين الناس على أرجاء هذه البسيطة إلى عامل إيجابي بناء، والى ايجاد شراكة دولية ومجتمعية في هذا الجانب، والإسهام في إثراء البحوث العلمية والدراسات المتخصصة في هذا المجال، وهذا بلا شك أمر إيجابي ويصب في مصلحة الشعوب قاطبة، ويؤطر عملية التكامل والانسجام في المجال الحواري والتميز والابداع والجودة والاحتراف في هذا الاطار، ويزيد من الإثراء المعرفي والتطبيقي الذي يحفظ للانسان كرامته، معتقدًا أن جميع المهتمين والمتخصصين يترقبون ان تترجم جميع مخرجات هذا المركز قريبًا على أرض الواقع ليعم بها النفع والفائدة في ظل الدعم والمؤازرة التي توليها له حكومة خادم الحرمين الشريفين. مطلب عالمي وأثني رئيس مركز الدراسات والبحوث الإسلامية في السويد سابقا عبدالكريم لعلام بجهود الملك عبدالله بن عبدالعزيز في مبادرته العالمية في محاورته اتباع الأديان للخروج بمفهوم واقعي عن الحوار وشموليته للإنسانية جمعاء دون تفريق أو تحييد، انطلاقا من المنهج النبوي الكريم، والتوجيه الرباني الشريف، مؤكدًا على أهمية الحوار بين أتباع الأديان والحضارات في ظل الأوضاع التي يعيشها العالم اليوم، معتبرًا تحقيق التعايش السلمي والإيجابي بين مكونات المجتمعات البشرية لحل الأزمات، وبناء السلام بات مطلبًا مهما عالميا، وتحرص المؤسسات الحوارية الدولية والإقليمية والمحلية على السواء على المزيد من التعاون فيما بينها لحل الأزمات وبناء السلام، والإعلاء من القيم الإنسانية المشتركة والتعايش السلمي واستقرار المجتمعات الإنسانية. تطلعات وآمال وقال الباحث الشرعي الدكتور مدغم البقمي: لاشك أن الحوار منهج شرعي غفل عنه الكثير من الناس سواء في مخاطبة ومحاورة الإخوة في العقيدة أو المخالفين، بل ومع أتباع الأديان والمعتقدات والثقافات المختلفة، لافتا إلى أن ماقامت به الجامعة الإسلامية من ندوة لتفعيل مبادرة خادم الحرمين الشريفين في حوار أتباع الأديان تنطلق من أهمية مركزه – حفظه الله تعالى – في ترسيخ هذا المبدأ لنفع البشرية جمعاء والتعايش مابين الأمم في سلام ووئام، مبينا أن الحوار من خلال هذا المركز العالمي مركزا لتطبيق عملي لمبادئ الإسلام الداعية للوسطية والتعايش السلمي واحترام الأديان، وإسهامًا في إزالة الكثير من المفاهيم الخاطئة عن الديانات المختلفة، ونشر الوعي خصوصًا أمام الإساءات المتعمدة لبعض الأديان وذلك لمجابهتها، ومعالجتها وفق منهج علمي، مؤكدًا أن مركز خادم الحرمين الشريفين لحوار اتباع الأديان والثقافات والحضارات قد حقق ولله الحمد والمنة الهدف الذي أنشئ من أجله، مؤملًا من أن يحقق هذا المركز العالمي للحوار الذي بادر به خادم الحرمين الشريفين المزيد والمزيد من التطلعات والآمال التي يسعى - حفظه الله- إلى إيجادها واقعًا ملموسًا، تحس به البشرية جمعاء وتعايشه فيما بينها من سلام، موضحًا إلى أن المركز ساهم في نشر ثقافة السلام وإيقاظ المشاعر نحو المسؤولية الإنسانية من خلال الحوار الحضاري، والدعوة إلى إعادة هيكلة العلاقات الإنسانية على أسس العدالة والتسامح والتعايش السلمي بين الجميع.