الشروط الأمريكية لتبني مبادرة السلام العربية من الضروري التذكير أولًا بأن الحديث عن إطلاق مباحثات تمهيدية لتقليص الفجوات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، كمقدمة لاستئناف المفاوضات المباشرة بعد ثلاثة شهور، سبق الزيارة الثانية لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري للشرق الأوسط (نيسان/ابريل 2013). فالادارة الأمريكية تمنت إنجاز عدد من «إجراءات الثقة ومبادرات حسن نية» تشمل تعديل «مبادرة السلام العربية»، قبل طرحها مجددًا كأحد أسس تسوية شاملة للصراع العربي والفلسطيني- الإسرائيلي. وقد لوحظ في هذا السياق أن واشنطن هي التي طلبت تعديلا في مبادرة السلام العربية، وكانت إدارة أوباما اشترطت في ايار/مايو 2009 على الجانب العربي تحقيق ثلاثة مطالب تخص مبادرة السلام العربية، وهي: 1- عدم ذكر القرار (194) في الفقرة «ب» من البند الثاني في المبادرة الذي يحدِّد المطالب العربية، واستبدال مطلب «الحل العادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين» بمطلب «حل واقعي ومتفق عليه بالمفاوضات»، وشطب البند الرابع من المبادرة الذي ينص على «ضمان رفض كل أشكال التوطين الفلسطيني، الذي يتنافى والوضع الخاص في البلدان العربية المضيفة». 2- تعديل الفقرة «ج» من البند الثاني في المبادرة، التي تؤكد على شرط قبول إسرائيل ب»قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينيةالمحتلة منذ الرابع من حزيران (يونيو) 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدسالشرقية»، ومطلب التعديل هذا يهدف لتعويم الفقرة بحيث لا تُذكر حدود الدولة الفلسطينية المستقلة، أي الاكتفاء بصيغة «قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة». 3- عدم الربط بين التسوية الشاملة والتطبيع، واستبدال ذلك بتطبيع يسير بالتجاور مع تقدم الخطوات السياسية، وتحقيق خطوات تطبيعية سياسية واقتصادية كمبادرات «حسن نية» من العرب والمسلمين. كانت تلك الشروط أساسية لتقوم إدارة أوباما بتحريك عملية التفاوض. لذلك، اعتبرها البعض أسوأ من الخطط السابقة، ووصفوها بأنها أسقطت مرجعية قرارات الأممالمتحدة في أي تسوية شاملة وجعلت كل شيء قابلا للتفاوض والمساومة. وبالمقابل توجهت إدارة أوباما حينها لحكومة نتنياهو بمطلب وحيد وملزم هو القبول بحل «دولتين لشعبين»، ودعوة لوقف الاستيطان في مستوطنات العمق، وإزالة بعض الحواجز العسكرية من مداخل مدن وبلدات الضفة الفلسطينية. ولكن إسرائيل اعتبرت أن «مبادرة السلام العربية» أيضا هي نص قابل للتفاوض والمراجعة، حيث إنها لم تشترك في صياغته. ولم يتغير هذا الموقف فعليًا بعد إعلان الجامعة العربية رسميًا وقوع تعديل يشمل تبادل الأراضي. وإلى حد كتابة هذه السطور، لم يتبين إن كانت الجامعة العربية -عبر وفد لجنة متابعة مبادرة السلام إلى واشنطن - وافقت على المطالب الأمريكية أم لا. لم يقع أي تصريح بهذا الشأن. بل إن التصريح الوحيد الذي جاء على لسان رئيس الوفد، أحدث ردود فعل متشنجة من طرف الفصائل الفلسطينية. إعلان تعديل مبادرة السلام العربية لم يكن اقتراح تبادل الأراضي في إطار اتفاقية سلام بين إسرائيل ودولة فلسطين، الذي قامت القيامة حوله مؤخرًا مبادرة قطرية، ومن الصعب تحميل الدوحة وحدها مسؤولية هذه المبادرة. وقبل يوم واحد من اللقاء مع المسؤولين الأمريكيين، عقدت لجنة متابعة مبادرة السلام العربية، اجتماعًا تنسيقيًا بمقر السفارة المصرية في العاصمة الأمريكيةواشنطن، برئاسة رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري، ورئيس اللجنة الشيخ حمد بن جاسم والأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي. وتناول الاجتماع تنسيق المواقف العربية بشأن مبادرة السلام العربية والجهود الأمريكية، التي يبذلها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لاستئناف المفاوضات المباشرة بين إسرائيل وفلسطين. وشارك في الاجتماع وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو ووزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، والأردني ناصر جودة، والبحريني الشيخ خالد الخليفة، ووزير الدولة للشؤون الخارجية القطري الدكتور خالد العطية، وسفراء كل من السعودية ولبنان لدى الولاياتالمتحدة كممثلين لبلديهما. أي أن هذا الاجتماع وقع خصيصا لتوحيد الرؤية العربية التي ستطرحها اللجنة بشأن مبادرة السلام العربية على الوزير كيري خلال لقائها معه بالعاصمة الأمريكية. ولكن ما لبثت الإشاعة أن انتشرت، بأن قطر هي التي قامت بالمبادرة. كانت الجامعة العربية أعربت رسميًا يوم 29 نيسان/ ابريل 2013، للمرة الأولى في تاريخها، عن استعدادها لتبني مبدأ تبادل الأراضي في إطار اتفاقية سلام بين إسرائيل ودولة فلسطين. وكان ذلك على إثر اللقاء الذي جمع في واشنطن وفد لجنة المتابعة مع نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن ووزير الخارجية جون كيري. في أعقاب ذلك الاجتماع، صرح كيري بقوله: «لقد شددت على الدور البالغ الأهمية للجامعة العربية في تحقيق السلام في الشرق الأوسط، ولا سيما عبر التأكيد مجددًا على مبادرة السلام العربية» التي أطلقتها الرياض خلال قمة بيروت العربية في العام 2002. ومن ناحيته قال الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني رئيس الحكومة القطرية وزير الخارجية – متحدثا باسم الوفد العربي إن ‹›السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين خيار استراتيجي للدول العربية››، مشددا على وجوب أن يستند إلى ‹›حل الدولتين على أساس حدود ‹›1967. وأضاف قوله إن «الاتفاق يجب أن يرتكز على حل الدولتين، على أساس خطوط الرابع من حزيران العام 1967، مع إمكان تبادل أراض بحد أدنى متشابه ومتبادل». وكانت هذه الجملة الأخيرة هي التي أثارت زوبعة لم تهدأ بعد، بالرغم من أن التصريح بها يعني أن هذا الموضوع جرى التداول فيه بين الموفدين العرب والمسؤولين الأمريكيين. ولكنه كان يعني بالنسبة للعديد من المعلقين الفلسطينيين وسواهم فتح الباب لقبول عربي باستمرار سيطرة إسرائيل على المستوطنات في الضفة الغربية مقابل تعويض الفلسطينيين بأراضٍ أخرى.