يتردد في كتب اللغويين القدامى وغيرهم ذكر العالية، ويقولون: لغة أهل العالية، ويضيفونها أحيانًا إلى الحجاز أو نجد فيقولون: عالية الحجاز أو عالية نجد، وتوصف لغتهم بالفصاحة، والفصاحة في كل العرب، قال أبو زيد: لستُ أقولُ: قالت العربُ إلا إذا سمعتُه من هؤلاء: بكر بن هوازن وبني كلاب وبني هلال أو من عالية السافلة أو سافلة العالية وإلا لم أقلْ: ((قالت العرب))! فما حدود العالية؟ وما الفرق بين عالية الحجاز وعالية نجد؟ وما المراد بالعالية عند الإطلاق؟ فأقول: جاء في (مراصد الاطلاع): العالية كل ما كان من جهة نجد من المدينة من قراها وعمائرها إلى تهامة العالية، وما كان دون ذلك السافلة، وقال الأزهري: «عالية الحجاز أعلاها بلدًا وأشرفها موضعًا، وهى بلاد واسعة، وقيل: العالية ما جاوز الرمّة إلى مكّة، وفي اللسان: العالية: ما فوق أرض نجد إلى أرض تِهامةَ وإلى ما وراء مكة، وهي الحجاز وما والاها، ويقال: عالى الرجلُ وأَعلى إذا أَتى عالِية الحجاز ونَجْدٍ. وقد كتب عن عالية نجد الشيخ سعد الجنيدل -رحمه الله- وهو من أبناء نجد، وذكر أن عالية نجد هي ما دفعه نفود قنيفذة ونفود الخبرا وصحراء الساقية غربًا إلى شرقيُ جبل حضن وجبل عن وتغوث في منطقة أبي راكة وبر الجرد وبر بساطة، وصحراء رُكبة، وكذلك حرة كُشب وماء السّليلة والربذة والقوز غربًا، ويدخل في هذا ما يقع شمال بلدة رنية وبلدة الخرمة من بلاد سبيع، أما من الناحية الشمالية فإنه يقف عند حدود منطقة القصيم الإدارية. قلت: العالية من العلو، ومعلوم أن ذروة العلو في الحجاز هي جبال السروات، ثم تنحدر شرقا جهة نجد، وغربا جهة تهامة، ولذا فإن ما يتصل بتلك الجبال من نجد فهو مرتفع، وتنحدر نجد إلى الشرق، فغرب نجد مما يلي الحجاز هو عاليتها وشرق الحجاز عاليته، أما شرق نجد فسافلتها، وغرب الحجاز (تهامة) سافلة الحجاز، والعالية المشهورة تكاد أن تكون محصورة بين المدينة والطائف، وفيها جملة من الحرار أشهرها حرة سليم، فالعاليتان الحجازية والنجدية متلاصقتان ومتداخلتان، والأشهر عند إطلاقهم (العالية) أنهم يريدون بها عالية الحجاز، ولكني وجدت القدامى مضطربين في أهل العالية عند إطلاقها، فتارة يجعلونها في مقابل نجد، فتكون عالية الحجاز، ومثال هذا قول ابن السكيت في إصلاح المنطق: ويقول أهل العالية: القُصْوَى، وأهل نجد يقولون: القُصْيَا. وقول الصغاني في الشوارد: أهل العالية يقولون: ما لقِيتُه مُنْذُ اليومِ، واهلُ نَجدٍ يقولون: مُذِ اليَوْمِ. وفي البحر المحيط: قرأ حمزة والكسائي وحفص (حِجّ البيت) بكسر الحاء، والباقون بفتحها. وهما لغتان: الكسر لغة نجد، والفتح لغة أهل العالية. وتارة يجعلونها في مقابل أهل الحجاز، فيكون المراد بالعالية: نجد، أو عالية نجد، كقول الجوهري في الصحاح: هذه لغة أهل العالية، فأمَّا لغة أهل الحجاز فبالضدِّ منهم. وفي العمدة وكذلك المزهر: وكان أهل العالية لا يعدلون بالنابغة أحدًا، كما أن أهل الحجاز لا يعدلون بزهير أحدًا. وعلّة الاضطراب فيها عند بعض القدامى حين إطلاقها أن العالية منطقة مشتركة جزء منها في الحجاز وجزء منها في نجد، فتتداخل العاليتان. الجامعة الإسلامية - المدينةالمنورة تويتر/ sa2626sa@