تختلف الأنماط المعمارية للمساكن من جيل لآخر بدءًا من مواد البناء المستخدمة مرورًا بطرق الإنشاء المتبعة فيها. وتمثل مراكز جنوب محافظة الطائف نموذجًا واضحًا لذلك الاختلاف بين القديم والجديد بعدما امتزجت فيها المباني الحديثة بالمنازل ذات الشكل التراثي القديم، المبني بالحجارة والمواد التي تتوافر في بيئتها الطبيعية، في صورة زادت من تألق المباني الأثرية التي حافظ العديد منها على طبيعته، وخير شاهد ما يزخر به مراكز ميسان بالحارث وثقيف وبني مالك من قرى أثرية وحصون شامخة، حرص بناءوها على أن تتواءم مع الظروف المختلفة والخصوصية التي تتميز بها كل منطقة عن الأخرى. وللوقوف على مراحل بناء هذه الحصون وتلك المنازل التي أصبحت رمزا تراثيا ومظهرا بارزا ومعالم سياحية لتلك المراكز، التقينا بأحد العارفين بخفايا بناء تلك المنازل القديمة، وهو حامد المالكي الذي أوضح لنا مراحل بناء تلك البيوت المبنية من الحجر، وما تجود به طبيعة كل منطقة، حيث ذكر لنا أن بناء المنزل يمر بعدد من المراحل، ويأتي في مقدمتها تكسير وتجميع الأحجار المستخدمة في البناء وذات المواصفات المناسبة والصالحة للبناء، حيث كان يتجه العاملون إلى موقع يسمى ب «المقلع» لتوفير تلك الأحجار وتجميعها، مستخدمين في تكسيرها «الفرص والفواقيش والعتلة» لإعداد الحجارة بالشكل المناسب، ثم تأتي مرحلة اعداد المكان، وكانت الخطوات هي المقياس أو الحبال ومن ثم حفر «الساس» أى الاساسات، وهو حفرة بعمق قد يصل إلى المتر والنصف، وعرض متر على كامل محيط البيت. وتتم عملية البناء بوضع حجارة كبيرة لتكون بمثابة القاعدة في الوقت الحاضر ومن ثم إكمال البناء للجدران بارتفاع يتراوح ما بين المترين والنصف إلى الثلاثة أمتار، ويتخلل ذلك مرحلة الجباهة للبنيان والطيق أو الخلف «الشبابيك»، ويتم وضع حجر كبير على الباب تسمى «الغمامة»، وعادة يكون للمنزل باب واحد يصنع من الخشب فيما تستخدم بعض جذوع الأشجار للشبابيك من الاعلى، ويستخدم شجر العرعر في ذلك لمتانته وصلابته وتوفره بشكل كبير في المنطقة. وعند اكتمال بناء الجدران يأتي دور الزافر «العمود» الذي يوضع في منتصف المنزل وتوضع عليه السارية وكلاهما من الخشب، ويتم إحضاره بوقت كافٍ، حيث يتولى النجار إعداده ونقشه بالحفر عليه وطلاءه بالقطران، ومن ثم وضع «القُطع» وهي أخشاب تمتد من الجدران حتى السارية على الزافر، وتكون بعكس الاخشاب التي سوف يتم تغطية السطح بها ثم تتوالى عملية وضع الخشب ومن بعده «الرص» أو «البت» بشكل مرتب مع اختلاف المسميات من مركز لآخر. وتأتي المرحلة الأخيرة وهي عملية «الخوضة» بمثابة الصبة في الوقت الحاضر مع اختلاف المكونات حيث يستخدم فيها التراب والذي يأتي به من أماكن معينة ويخلط بالماء ثم تغطى به «الدارة « السطح ويشارك في هذه العملية رجال القرية في صورة من صور التعاون والتكافل الاجتماعي الذي تشتهر به مراكز جنوبالطائف بعد هذه المرحلة يكون تم الانتهاء من البناء «عظم» ويأتي دور التشطيب وذلك بجلب تربة مخصصة «لخلب» أي تلييس الجدران الداخلية للبيت، ويتم خلال ذلك اضافة بعض الألوان البسيطة في بعض البيوت للتزيين. وأضاف المالكي أن البيت المبني من الحجر قد يكون مكونا من دور واحد أو متعدد الأدوار، ومن الاشياء الضرورية وجود فتحة صغيرة في سطح المنزل تسمى «القترة»، تسمح بخروج الدخان الناتج عن الموقد داخل المنزل، وكذلك الميزاب لتصريف الماء من على السطح، كما توجد بعض الكماليات وهي تزيين «الجون» بالمرو الأبيض لإضفاء نوع من الجمال على المبنى، وفي الداخل يتم عمل بعض الفتحات لتكون بمثابة الرفوف، وتستخدم لحفظ بعض الاشياء بداخلها ورغم بساطة المواد المستخدمة في البيت القديم إلا انه كان يتميز بلمسات جمالية تنم على التميز العمراني لمراكز جنوبالطائف. ويوضح المالكي أن العمل في بناء بيت من الحجر قد يصل للعام، وبرغم صعوبة العمل والجهد المبذول لإنجازه والذي يستمر من الساعات الأولى للنهار وحتى المغرب لا يتخللها سوى التوقف لتأدية الصلاة أو تناول الوجبات الغذائية في الموقع لا يوازيها سوى فرحة انجاز العمل والاحتفال بالانتهاء من البناء.