اعتدنا أن نسمع من أجدادنا أيام شحّ الموارد وضيق الحال (العمل شرف) و(العمل ليس عيبًا) ليحفّزوا أنفسهم للعمل الجاد في المهن النقية التي كانوا يزاولونها في ذلك الوقت من فلاحة الأرض ورعي المواشي وغيرها. ثم ما لبثت الأحوال أن تغيرت، وتفجّر النفط من هذه الأرض المباركة، وتعلّم الناس، وتعددت أبواب الوظائف وطرق الكسب بحمد الله جل وعلا. احتاجت التنمية إلى المرأة السعودية بفكرها النيّر وجهدها المخلص وعطائها السخيّ فساهمت، وفي دفع عجلة التنمية شاركت، حيث خرجت من بيتها لتعمل وتبني من مواقع ووظائف تتناسب مع طبيعتها وخصوصيتها. وتحت غطاء (العمل شرف) ودثار (العمل ليس عيبًا) بدأت وظائف جديدة تفتح للمرأة السعودية بابها وهي ليست لها بأهل، بدأ يزجّ بالمرأة السعودية في وظائف مختلطة لا تحفظ لها دينها، أو متدنية لا تحفظ لها كرامتها. كم يصدق على هاتين العبارتين أنهما كلمات حق أريد بها باطل! فليس العمل شرفًا دائمًا،بل هو عيبٌ أحيانًا. عندما تخالط المرأة الرجال في وظيفتها وتضطر للتنازل عن حيائها تدريجيًا وتخطو خطوات حثيثة نحو التحرر - متذرعين بأن المرأة السعودية أثبتت نجاحها - لن يكون العمل شرفًا. عندما تعمل المرأة السعودية في وظائف متدنية مهينة - كعاملة نظافة مثلاُ - في بلد نفطي يرفل في نعم الله العظيمة فهنا يكون العمل عيبًا. ليبقى عمل المرأة السعودية شرفًا، ولا يكون عيبًا أوجّه نداءات ثلاث: أولها: لحكومتنا الرشيدة التي يهمها إيجاد حلول لمشكلاتنا، لتصرف لربات البيوت مرتبات شهرية تسدّ حاجتهنّ المادية، وتعفّهنّ عن السؤال، وتكفيهنّ أمثال هذه الوظائف. وليس هذا بكثير على مربية الأجيال وصانعة الرجال، وكم يثير عجبي أن يُنظر للمرأة التي تنظف لأهل بيتها عاطلة لا فائدة منها ولا تستحق مقابلًا، في حين أنها تكون منتجة معطاءة تستحق المال عندما تنظّف لغيرها! ولتقدّم الحكومة القروض الميسّرة للمرأة لتقتحم عالم الاستثمار من منزلها وذلك بتغذية صناديق القروض وتوفير خدمات الدعم والاستشارة لتنطلق المرأة السعودية في مشروعات نافعة منتجة مربحة. ثاني هذه النداءات للقطاع الخاص: لا تطعم الأجنبي خيرات وثروات بلدك وترمي لأبنائه فتات الوظائف. ارفع نسبة السعودة. افتح لأبناء وطنك الأبواب وأفسح لهم المجال لينفعوا وينتفعوا. تبنَّ مشروعات لتوظيف المرأة من منزلها بوظائف لائقة بعوائد مناسبة. آن لك أن تردّ لوطنه الجميل وتسهم في معالجة قضايا مجتمعه، وآخر هذه النداءات أخصّ به المرأة السعودية، التي كانت وما تزال مرفوعة الرأس وضّاءة الجبين، التي كرّمها الإسلام وأحاطها بخصوصية ليست إلا لها. لا ترمي نفسك في وظيفة لا تليق بك، لا تحترمك، ولا تتفق مع تعاليم دينك. تيقّني أن الله سيضمن لك لقمة طيبة هانئة حلالًا إن تركتِها له، واعلمي أن العمل من منزلك قد يعود عليك بعوائد تفوق ما تحصلين عليه من وظائف متدنية، فتوكلي على الحي الذي لا يموت، وخططي مشروعك، لتحققي من خلاله تنمية لذاتك، ونفعًا لمجتمعك، وضمانًا لكرامتك، والأغلى من ذلك كله: حفظًا لدينك وصيانة لحيائك.